للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَرَأَ بِهَذِهِ الْقِرَاءَاتِ فِي الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ -وَهِيَ الْفَاتِحَةُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا- لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ؛ لِأنَّهُ لَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَهُ أَدَّى الْوَاجِبَ مِن الْقِرَاءَةِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْقُرْآنِ بِذَلِكَ.

وإن قَرَأَ بِهَا فِيمَا لَا يَجِبُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَيَقنْ أَنَّهُ أَتَى فِي الصَّلَاةِ بِمُبْطِلِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِن الْحُروفِ السَّبْعَةِ الَّتِي أُنْزِلَ عَلَيْهَا.

وَهَذَا الْقَوْلُ يَنْبَنِي عَلَى أَصْل، وَهُوَ أَنَّ مَا لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ مِن الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ فَهَل يَجِب الْقَطْعُ بِكَوْنِهِ لَيْسَ مِنْهَا؟

فَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهورُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ بِذَلِكَ.

وَذَهَبَ فَرِيق مِن أَهْلِ الْكَلَامِ إلَى وُجُوبِ الْقَطْعِ بِنَفْيِهِ، حَتَّى قَطَعَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ -كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ- بِخَطَأ الشَّافِعِي وَغَيْرِهِ مِمَن أَثْبَتَ الْبَسْمَلَةَ آيةً مِن الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ سُورَةِ النَّمْلِ؛ لِزَعْمِهِمْ أَنَّ مَا كَانَ مِن مَوَارِدِ الِاجْتِهَادِ فِي الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ بِنَفْيِهِ.

وَالصَّوَابُ الْقَطْعُ بِخَطَأ هَؤُلَاءِ، وَأَنَّ الْبَسْمَلَةَ آية مِن كِتَابِ اللهِ حَيْثُ كَتَبَهَا الصَّحَابَةُ فِي الْمُصْحَفِ، إذ لَمْ يَكْتبُوا فِيهِ إلَّا الْقُرْآنَ وَجَرَّدُوهُ عَمَّا لَيْسَ مِنْهُ كَالتَخْمِيسِ وَالتَّعْشِيرِ وَأَسْمَاءِ السُّوَرِ؛ وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ لَا يُقَالُ هِيَ مِن السورَةِ الَّتِي بَعْدَهَا، كَمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ مِن السُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا؛ بَل هِيَ كَمَا كُتِبَت آية أنْزَلَهَا اللهُ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ، وَإِن لَمْ تكنْ مِن السُّورَةِ.

وَهَذَا أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْألَةِ.

وَسَوَاء قِيلَ بِالْقَطْعِ فِي النَّفْيِ أَو الْإِثْبَاتِ، فَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهَا مِن مَوَارِدِ الِاجْتِهَادِ الَّتِي لَا تكفِيرَ وَلَا تَفْسِيقَ فِيهَا لِلنَّافِي وَلَا لِلْمُثْبِتِ؛ بَل قَد يُقَالُ مَا قَالَهُ طَائِفَة مِن الْعُلَمَاءِ: إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِن الْقَوْلَيْنِ حَق، وإنَّهَا آيةٌ مِن الْقُرْآنِ فِي بَعْضِ الْقِرَاءَاتِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ الَّذِينَ يَفْصِلُونَ بِهَا بَيْنَ السورَتَيْنِ (١)، وَلَيْسَتْ آيَةً فِي بَعْضِ


(١) كقالون والكسائي وعاصم وابن كثير، فهم يُثبتونها للفصل بين السور، فتكون آيةً عندهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>