(٢) يُستفاد من كلام شيخ الإسلام عدة فوائد: الأولى: أنه لا خلاف بَيْنَ الْأئِمةِ في أَنَهُ لَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَقْرَأَ المسلم بِهَذِهِ الْقِرَاءَاتِ الْمُعَيّنةِ فِي جَمِيعِ أمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ، وهي القراءات العشر المتواترة. الثانية: أنه يجوز القراءة بالشاذة الْموَافِقَةِ لِلْمُصْحَفِ لِمَنْ ثَبَتتَ وصحتْ عِنْدَهُ، ومثل لذلك بقرَاءَةِ الْأعْمَشِ شَيْخِ حَمْزَةَ. وقال: فَلَهُ أَنْ يقْرَأَ بِهَا بِلَا نِزَاع بَيْنَ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتبَرِينَ الْمَعْدُودِينَ مِنْ أهْلِ الإجْمَاعِ وَالْخِلَافِ. وأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ الْأَئِمَّةِ الذِينَ أدْركُوا قِرَاءَةَ حَمْزَةَ؛ كَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَة وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلِ وَبِشْرِ بْنِ الْحَارِثِ وَغَيْرِهِمْ يَخْتَارُونَ قِرَاءَةَ أبِي جَعْفَرِ بْنِ الْقَعْقَاعِ وَشَيْبَةَ بْنِ نِصَاحٍ -وهو ليس من العشرة -وَقرَاءَةَ الْبَصْريِّينَ -وبعضهم ليس من العشرة- كَشُيُوخِ يَعْقُوبَ بْنِ إسْحَاقَ وَغَيْرِهِمْ عَلَى قُرَّاءِ حَمْزَةَ وَالْكِسَائي. قال: وَلهَذَا كَانَ أئِمةُ أهْلِ الْعِرَاقِ الَّذِينَ ثَبَتَتْ عِنْدَهُمْ قِرَاءَاتُ الْعَشَرَةِ أوْ الْأحَدَ عَشَرَ كَثُبُوتِ هَذِهِ السبْعَةِ: يَجْمَعُونَ ذَلِكَ فِي الْكُتُبِ، ويقْرَؤونَهُ فِي الصَّلَاةِ وَخَارج الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ مُتفَق عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، لَمْ يُنْكِرْهُ أحَد مِنْهُمْ. فالشيخ حكى إجماع الْعُلَمَاءِ على جواز الْقِرَاءَة بالشَّاذَّة الصحيحة التي لم تخرج عَنْ رَسْم الْمُصْحَفِ الْعُثْمَاني فِي الصلَاةِ وَخَارج الصلَاةِ. وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ الثابتة عن الصحابة، لكنها خارِجَة عَنْ رَسْمِ الْمُصْحَفِ الْعثْمَانِي: فقد حكى فيها خلافًا في جواز القراءة بِهَا فِي الصَّلَاةِ. وهذا يُناقض قول ابن عبد البر رحمه الله تعالى في حكم القراءة بالقراءات الشاذّة في الصلاة بأنه مِمَّا اجتمع علماء الأمصار على عدم جوازه، فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رَحِمَه اللهُ- الخلاف في ذلك كما ترى. =