للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَالَ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} والْقِصَاصُ: مَصْدَرُ قَاصَّهُ يُقَاصُّة مُقَاصَّةً وَقِصَاصًا، وَمِنْهُ مُقَاصَّةُ الدَّيْنَيْنِ أَحَدُهُمَا بِالْآخِرِ، وَالْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ الْجَمِيعُ قَتْلَى كَمَا ذَكَرَ الشَّعْبِيُّ فَيُقَاصُّ هَؤُلَاءِ الْقَتْلَى بِهَؤلَاءِ الْقَتْلَى، أَمَّا إذَا قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا فَالْمَقْتُولُ مَيِّتٌ، فَهُنَا الْمَقْتُولُ لَا مُقَاصَّةَ فِيهِ، وَلَكِنَّ الْقِصَاصَ أَنْ يُمَكَّنَ مِن قَتْلِ الْقَاتِلِ لَا غَيْرِهِ.

وأَيْضًا: فَنَفْسُ انْقِيَادِ الْقَاتِلِ لِلْوَلِيِّ لَيْسَ هُوَ قِصَاصًا؛ بَل الْوَلِيُّ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ، وَلَهُ أَنْ لَا يَقْتَصَّ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا قَوْدًا لِأَنَّ الْوَلِيَّ يَقُودُهُ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ تَسْلِيمِ السِّلْعَةِ إلَى الْمُشْتَرِي.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ قَالَ: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: ١٧٨]، لَفْظُ (عُفِيَ) هُنَا قَد اُسْتُعْمِلَ مُتَعَدِّيًا؛ فَإِنَّهُ قَالَ: (عُفِيَ) (شَيْءٌ) وَلَمْ يَقُلْ: (عَفَا) (شَيْئًا) وَهَذَا إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْفِعْلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة ة ٢١٩]، وَأَمَّا الْعَفْوُ عَن الْقَتْلِ فَذَاكَ يُقَالُ فِيهِ: عَفَوْت عَن الْقَاتِلِ، فَوَلِيُّ الْمَقْتُولِ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ: بَيْنَ أَنْ يَعْفُوَ عَن الْقَتْلِ وَيَأْخُذَ الدِّيَةَ، فَلَمْ يُعْفَ لَهُ شَيْءٌ؛ بَل هُوَ عَفَا عَن الْقَتْلِ.

وَقَد قَالَ بَعْضُهُمْ: {مِنْ أَخِيهِ} [البقرة: ١٧٨]؛ أَيْ: مِن دَمِ أَخِيهِ؛ أَيْ: تَرَكَ لَهُ الْقَتْلَ وَرَضِيَ بِالدِّيَةِ؛ وَالْمُرَادُ الْقَاتِلُ؛ يَعْنِي: أَنَّ الْقَاتِلَ عُفِيَ لَهُ مِن دَمِ أَخِيهِ الْمَقْتُولِ؛ أَيْ: تَرَكَ لَهُ الْقَتْلَ، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: أَنَّ الْوَلِيَّ عَفَا لِلْقَاتِلِ مِن دَمِ الْمَقْتُولِ شَيْئًا، وَهَذَا كَلَامٌ لَا يُعْرَفُ، لَا يُقَالُ: عَفَوْت لَك شَيْئًا، وَلَا يُقَالُ: عَفَوْت مِن دَمِ الْقَاتِلِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يُقَالُ: إنَّهُ عَفَا عَن الْقَاتِلِ، فَأيْنَ هَذَا مِن هَذَا؟

وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ (١)، فَالْمُتَقَاصَّانِ إذَا تَعَادَّا الْقَتْلَى فَمَن غفِيَ لَهُ؛


(١) أي: أَنَ الْقِصَاصَ فِي الْقَتْلَى يَكُونُ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ الْمُقْتَتِلَتَيْن قِتَالَ عَصَبِيَّةٍ وَجَاهِلِيَّةٍ.
وهذا يُؤكد ما ذكرتُه أنّ ما جاء في القول الثاني صوابه أن يكون هو القول الأول كما أثبتُه.

<<  <  ج: ص:  >  >>