للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أَيْ: فَضَلَ لَهُ مِن مُقَاصَّةِ أَخِيهِ مُقَاصَّةٌ أُخْرَى؛ أَيْ: هَذَا الَّذِي فَضَلَ لَهُ فَضْلٌ، {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ١٧٨] فَهَذَا الْمُسْتَحِقّ لِلْفَضْلِ يَتَّبع الْمُقَاصَّ الْآخَرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى هَذَا بِإِحْسَانٍ {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: ١٧٨]؛ أَيْ: مِن أَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ تُودِي (١) قَتْلَى الْأُخْرَى، فَإِنَّ فِي هَذَا تَثْقِيلًا عَظِيمًا لَهُ، {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: ١٧٩]، فَإِنَّهُم إذَا تَعَادُّوا الْقَتْلَى وَتَقَاصُّوا وَتَعَادَلُوا لَمْ يَبْقَ وَاحِدَةٌ تَطْلُبُ الْأُخْرَى بِشَيْءٍ، فَحَيِيَ هَؤُلَاءِ وَحَيِيَ هَؤُلَاءِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَقَاصُّوا، فَإِنَّهُم يَتَقَاتَلُونَ وَتَقُومُ بَيْنَهُم الْفِتَنُ الَّتِي يَمُوت فِيهَا خَلَائِقُ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي فِتَنِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، إنَّمَا تَقَعُ الْفِتَنُ لِعَدَمِ الْمُعَادَلَةِ وَالتَّنَاصُفِ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ، وَإِلَّا فَمَعَ التَّعَادُلِ وَالتَّنَاصُفِ الَّذِي يَرْضَا بِهِ أُولُو الْأَلْبَابِ لَا تَبْقَى فِتْنَةٌ.

وَقَوْلُ مَن قَالَ: إنَّ قَوْلَهُ: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} مَعْنَاهُ: أَنَّ الْقَاتِلَ إذَا عَرَفَ أَنَّهُ يُقْتَلُ كَفَّ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ حَيَاةٌ لَهُ وَللْمَقْتُولِ.

يُقَالُ لَهُ: هَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ؛ وَلَكِنَّ هَذَا مِمَّا يَعْرِفُهُ جَمِيعُ النَّاسِ، وَهُوَ مَغْرُوزٌ فِي جِبِلَّتِهِمْ.

وَإِذَا كَانَ هَذَا الْمَعْنَى مِن أَوَائِلِ مَا يَعْرِفُهُ الْآدَمِيّونَ وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُم لَا يَعِيشُونَ بِدُونِهِ صَارَ هَذَا مِثْلُ حَاجَتِهِمْ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَاب وَالسُّكْنَى؛ فَالْقُرْآنُ أَجَلُّ مِن أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ التَّعْرِيفَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ الْبَدِيهِيَّةِ (٢)؛ بَل هَذَا مِمَّا يَدْخُلُ فِي مَعْنَاهُ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَتَبَ عَلَيْهِم الْقِصَاصَ فِي الْمَقْتُولِينَ أَنَّهُ يَسْقُطُ حُرٌّ بِحُرٍّ


(١) أي: يفدي.
تنبيه: في الأصل: (تُؤَدِّي)، ولعل المثبت هو الصواب؛ والمعنى يقتضيه.
(٢) فيه استخدام هذه الكلمة، خلافًا لمن منعها، وصوّب: بدهيّ، ومثله: طبيعي، فقد استخدمها الشيخ وغيرُه.
وفيه أن القرآن يُنزّه عن أنْ يقرر الأمور البديهية التي لا نفع من معرفتها، وكثيرًا ما يغلط بعض الناس في تنزيل معنى آية على ما هو معلوم بديهةً، مثل من يقول: معنى قوله تعالى: {النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ} نسبة إلى أم القرى، ولا فائدة من هذه النسبة للنبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>