للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَعَبْدٌ بِعَبْدٍ وَأُنْثَى بأُنْثَى، فَجَعَلَ دِيَةَ هَذَا كَدِيَةِ هَذَا، وَدَمَ هَذَا كَدَمِ هَذَا، مُتَضَمِّنٌ لِمُسَاوَاتِهِمْ فِي الدِّمَاءِ وَالدِّيَاتِ، وَكَانَ بِهَذِهِ الْمُقَاصَّةِ لَهُم حَيَاةٌ مِن الْفِتَنِ الَّتِي تُوجِبُ هَلَاكَهُم كَمَا هُوَ مَعْرْوفٌ.

وَأَمَّا قَتْلُ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ وَالذَّكَرِ بِالْأُنْثَى فَالْآيَةُ لَمْ تَتَعَرَّضْ لَهُ لَا بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ، وَلَا لَهَا مَفْهُومٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ، لَا مَفْهُومَ مُوَافَقَةٍ وَلَا مُخَالَفَةٍ؛ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْمُقَاصَّةِ يُقَاسُ الْحرُّ بِالْحُرِّ، وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ، وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى، لِتَسَاوِي الدِّيَاتِ: دَلَّ ذَلِكَ عَلَى قَتْلِ النَّظِيرِ بِالنَّظِيرِ، وَالْأدْنَى بِالْأَعْلَى.

يَبْقَى قَتْل الْأَعْلَى الْكَثِيرِ الدِّيَةِ بِالْأَدْنَى الْقَلِيلِ الدِّيَةِ، لَيْسَ فِي الْآيَةِ تَعَرُّضٌ لَهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا ابْتِدَاءَ الْقَوَدِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ الْمُقَاصَّةَ فِي الْقَتْلَى لِتَسَاوِي دِيَاتِهِمْ.

وَدَلَّت الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَى يُؤْخَذُ لَهُم دِيَات، فَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِ الدّيَةِ عَلَى الْقَاتِلِ، وَأَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ بِاخْتِلَافِ الْمَقْتُولِينَ، وَهَذَا مِمَّا مَنَّ اللَّه بِهِ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - حَيْثُ أَثْبَتَ الْقِصَاصَ وَالدِّيَةَ.

وَأمَّا كَوْنُ الْعَفْوِ هُوَ قَبُولُ الدِّيَةِ فِي الْعَمْدِ، وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهَا الْعَافِي بِمُجَرَّدِ عَفْوِهِ فَالْآيَةُ لَمْ تتعَرَّضْ لِهَذَا.

وَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الطَّوَائِفَ الْمُمْتَنِعَةَ تضَمِّنُ كُل مِنْهُمَا مَا أَتْلَفَتْهُ الْأُخْرَى مِن دَمٍ وَمَالٍ بِطَرِيقِ الظُّلْمِ؛ لِقَوْلِهِ: {مِنْ أَخِيهِ} [البقرة: ١٧٨]، بِخِلَافِ مَا أَتْلَفَهُ الْمُسْلِمُونَ لِلْكُفَّارِ وَالْكفَّارُ لِلْمُسْلِمِينَ.

وَأَمَّا الْقِتَالُ بِتَأوِيلٍ كَقِتَالِ أَهْلِ الْجَمَلِ وصفين، فَلَا ضَمَانَ فِيهِ أَيْضًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى عِنْدَ الْجُمْهُورِ؛ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْكُفَارُ الْمُتَأَوِّلُونَ لَا يَضْمَنُونَ فَالْمُسْلِمُونَ الْمُتَأَوّلُونَ أَوْلَى أَنْ لَا يَضْمَنُوا.

وَدَلَّت الْآيَةُ عَلَى أَنَّ هَذَا الضَّمَانَ عَلَى مَجْمُوعِ الطَّائِفَةِ يَسْتَوِي فِيهِ الرِّدْءُ وَالْمُبَاشِرُ، لَا يُقَالُ: اُنْظُرُوا مَن قَتَلَ صَاحِبَكُمْ هَذَا فَطَالِبُوهُ بِدِيَتِهِ، بَل يُقَالُ: دِيَتُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>