وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ قَوْلَهُ: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}، فإِنَّهُم جَعَلوا مَا يُصِيبهم مِن الْمَصَائِبِ بِسَبَبِ مَا جَاءَهُم بِهِ الرَّسُولُ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: النِّعْمَةُ الَّتِي تُصِيبُنَا هِيَ مِن عِنْدِ اللهِ، وَالْمُصِيبَةُ مِن عِنْدِ مُحَمَّدٍ؛ أيْ: بِسَبَبِ دِينِهِ وَمَا أَمَرَ بِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: قُلْ هَذَا وَهَذَا مِن عِنْدِ اللهِ، لَا مِن عِنْدِ مُحَمَّدٍ. مُحَمَّدٌ لَا يَأْتِي لَا بِنِعْمَة وَلَا بِمُصِيبَة. [١٤/ ٢٣٤ - ٢٤٥]
فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَت الطَّاعَاتُ وَالْمَعَاصِي مُقَدَّرَةً، وَالنِّعَمُ وَالْمَصَائِبُ مُقَدَّرَةً. فَلِمَ فَرَّقَ بَيْنَ الْحَسَنَاتِ، الَّتِي هِيَ النّعَمُ، وَالسَّيِّئَاتِ، الَّتِي هِيَ الْمَصَائِبُ؟ فَجَعَلَ هَذِهِ مِن اللهِ، وَهَذِهِ مِن نَفْسِ الْإِنْسَانِ؟
قِيلَ: لِفَرُوقِ بَيْنَهُمَا:
الْفَرْقُ الْأوّلُ: أَنَّ نِعَمَ اللهِ وَإِحْسَانَهُ إلَى عِبَادِهِ يَقَعُ ابْتِدَاءً بِلَا سَبَبٍ مِنْهُم أَصْلًا، فَهُوَ يُنْعِمُ بِالْعَافِيَةِ وَالرِّزْقِ وَالنَّصْرِ، وَغَيْرِ ذَلِك عَلَى مَن لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ.
الْفَرْقُ الثانِي: أَنَّ الَّذِي يَعْمَلُ الْحَسَنَاتِ إذَا عَمِلَهَا، فَنَفْسُ عَمَلِهِ الْحَسَنَاتِ: هو من إحْسَانِ اللهِ، وَبِفَضْلِهِ عَلَيْهِ بِالْهِدَايَةِ وَالْإِيمَانِ.
وَأَمَّا السَّيّئَةُ: فَلَا تَكُونُ إلَّا بِذَنْبِ الْعَبْدِ، وَذَنْبُهُ مِن نَفْسِهِ، وَهُوَ لَمْ يَقُلْ: إنِّي لَمْ أقَدِّرْ ذَلِك وَلَمْ أَخْلُقْهُ، بَل ذَكَرَ لِلنَّاسِ مَا يَنْفَعُهُمْ.
فَإِذَا تَدَبَّرَ الْعَبْدُ عَلِمَ أَنَّ مَا هُوَ فِيهِ مِن الْحَسَنَاتِ مِن فَضْلِ اللهِ، فَشَكَرَ اللهَ، فَزَادَهُ اللهُ مِن فَضْلِهِ عَمَلًا صَالِحًا، وَنِعَمًا يُفِيضُهَا عَلَيْهِ.
وَإِذَا عَلِمَ أَنَّ الشَّرَّ لَا يَحْصُلُ لَهُ إلَّا مِن نَفْسِهِ بِذُنُوبِهِ: اسْتَغْفَرَ وَتَابَ. فَزَالَ عَنْهُ سَبَبُ الشَّرِّ. فَيَكُونُ الْعَبْدُ دَائِمًا شَاكِرًا مُسْتَغْفِرًا. فَلَا يَزَالُ الْخَيْرُ يَتَضَاعَفُ لَهُ، وَالشَّرُّ يَنْدَفِعُ عَنْهُ. [١٤/ ٢٥٩ - ٢٦٢]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute