للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَفِي قَوْله تَعَالَى: {فَمِنْ نَفْسِكَ} مِن الْفَوَائِدِ: أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَرْكَنُ إلَى نَفْسِهِ وَلَا يَسْكُنُ إلَيْهَا (١). فَإِنَّ الشَّرَّ لَا يَجِيءُ إلَّا مِنْهَا.

وَلَا يَشْتَغِلُ بِمَلَامِ النَّاسِ وَلَا ذَمِّهِمْ إذَا أَسَاؤُوا إلَيْهِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِن السَّيِّئاتِ الَّتِي أَصَابَتْهُ، وَهِيَ إنَّمَا أَصَابَتْهُ بِذُنُوبِهِ، فَيَرْجِعُ إلَى الذُّنُوبِ فَيَسْتَغْفِرُ مِنْهَا، ويستَعِيذُ بِاللهِ ٠ مِن شَرِّ نَفْسِهِ وَسَيِّئَاتِ عَمَلِهِ، وَيَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُعِينَهُ عَلَى طَاعَتِهِ، فَبِذَلِكَ يَحْصُلُ لَهُ كُلُّ خَيْرٍ، وَيَنْدَفِعُ عَنْهُ كلُّ شَرٍّ.

وَلهَذَا كَانَ أَنْفَعُ الدُّعَاءِ وَأَعْظَمُهُ وَأَحْكَمُهُ: دُعَاءَ الْفَاتِحَةِ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)} [الفاتحة: ٦]، فَإِنَّهُ إذَا هَدَاهُ هَذَا الصّرَاطَ: أَعَانَهُ عَلَى طَاعَتِهِ وَتَرْكِ مَعْصِيَتِهِ، فَلَمْ يُصِبْهُ شَرٌّ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ.

لَكِنَّ الذُّنُوبَ هِيَ مِن لَوَازِمِ نَفْسِ الْإِنْسَانِ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى الْهُدَى فِي كُلّ لَحْظَةٍ، وَهُوَ إلَى الْهُدَى أَحْوَجُ مِنْهُ إلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ.

لَيْسَ كَمَا يَقُولُهُ طَائِفَة مِن الْمُفَسِّرِينَ: إنَّهُ قَد هَدَاهُ. فَلِمَاذَا يَسْأَلُ الْهُدَى؟

وَأَنَّ الْمُرَادَ بِسُؤَالِ الْهُدَى: الثَّبَاتُ أَو مَزِيدُ الْهِدَايَةِ.

بَلِ الْعَبْدُ مُحْتَاجٌ إلَى أَنْ يُعَلِّمَهُ رَبُّهُ مَا يَفْعَلُهُ مِن تَفَاصِيلِ أَحْوَالِهِ، وَإِلَى مَا يَتَوَلَّدُ مِن تَفَاصِيلِ الْأُمُورِ فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَإِلَى أَنْ يُلْهَمَ أَنْ يَعْمَلَ ذَلِكَ.

فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ عِلْمِهِ إنْ لَمْ يَجْعَلْهُ اللهُ مُرِيدًا لِلْعَمَلِ بِعِلْمِهِ، وَإِلَّا كَانَ الْعِلْمُ حُجَّةً عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُن مُهْتَدِيًا.

وَالْعَبْدُ مُحْتَاجٌ إلَى أَنْ يَجْعَلَهُ اللهُ قَادِرًا عَلَى الْعَمَلِ بِتِلْكَ الْإِرَادَةِ الصَّالِحَةِ.

فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُهْتَدِيًا إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ -صِرَاطِ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِن النَّبِيّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ- إلَّا بِهَذِهِ الْعُلُومِ وَالْإِرَادَاتِ


(١) بل يطمئن ويستند إلى الله تعالى، ويتمسك بالكتاب والسُّنَّة، التي فيهما العصمة والنجاة والصراط المستقيم، وأكثر البدع والأهواء والفتن إنما جاءت من ركون أصحابها إلى أنفسهم، واسْتحسانهم ما تُسَوِّلُه لهم أنفسهم، مع بعدهم عن الكتاب والسُّنَّة، وأهل العلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>