للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَالْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ (١). [١٤/ ٣١٩ - ٣٢١]

١٤٦٤ - قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (١٠٧)} [النساء: ١٠٧]، فَقَوْلُهُ: {يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} مِثْلُ قَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة؛ ١٨٧]، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَطَائِفَةٌ مِن الْمُفَسِّرِينَ: مَعْنَاهُ: تَخُونُونَ أَنْفُسَكُمْ، زَادَ بَعْضُهُمْ: تَظْلِمُونَهَا.

وَهَذَا الْقَوْلُ فِيهِ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ كُلَّ ذَنْبٍ يُذْنِبُهُ الْإِنْسَان فَقَد ظَلَمَ فِيهِ نَفْسَهُ، سَوَاءٌ فَعَلَهُ سِرًّا أَو عَلَانِيَةً.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ إِنَّمَا اُسْتُعْمِلَ فِي خَاص مِن الذُّنوبِ مِمَّا يُفْعَلُ سِرًّا.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ: فَالْإِنْسَانُ كَيْفَ يَخُونُ نَفْسَهُ، وَهُوَ لَا يَكْتُمُهَا مَا يَقُولُهُ وَيَفْعَلُهُ سِرًّا عَنْهَا؛. فَالْأَشْبَهُ -وَاللهُ أَعْلَمُ- أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: {تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} مِثْل قَوْلِهِ: {إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: ١٣٠].

وَالْبَصْرِيُّونَ يَقُولُونَ فِي مِثْل هَذَا: إنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ، ويُخْرِجُونِ قَوْلَهُ: {سَفِهَ} عَن مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ، فَإِنَّهُ فِعْلٌ لَازِمٌ؛ فَيَحْتَاجُونَ أَنْ يَنْقُلُوهُ مِن اللُّزُومِ إلَى التَّعْدِيَةِ بِلَا حُجَّةٍ.

وَأَمَّا الْكُوفِيُّونَ -كَالْفَرَّاءِ وَغَيْرِهِ وَمَن تَبِعَهُم- فَعِنْدَهُم أَنَّ هَذَا مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَعِنْدَهُم أَنَّ الْمُمَيَّزَ قَد يَكُونُ مَعْرِفَةً كَمَا يَكُون نَكِرَةً، وَذَكَرُوا لِذَلِكَ شَوَاهِدَ كَثِيرَةً مِن كَلَامِ الْعَرَبِ مِثْل قَوْلِهِمْ: أَلِمَ فُلَانٌ رَأسَهُ، وَوَجِعَ بَطْنَهُ، وَرَشَدَ أَمْرَهُ.


(١) وكم من إنسان يعلم أن هذا الأمر نافع ومفيد، ويريد فعله، ولكنه لا يستطيع ذلك، إما لانشغاله، واما لعجزه أو كسله وضعف همته، فهذه الأمور الثلاثة التي ذكرها الشيخ هي أساس التوفيق والهداية وعلو الهمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>