وَكَانَ الْأَصْلُ سَفِهَتْ نَفْسُهُ وَرَشَدَ أَمْرُهُ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: غَبِنَ رَأيُهُ، وَبَطِرَتْ نَفْسُهُ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} [القصص: ٥٨] مِن هَذَا الْبَابِ، فَالْمَعِيشَةُ نَفْسُهَا بَطِرَتْ.
فَقَوْلُهُ: {سَفِهَ نَفْسَهُ} مَعْنَاهُ: إلَّا مَن سَفِهَتْ نَفْسُهُ؛ أَيْ: كَانَت سَفِيهَة، فَلَمَّا أَضَافَ الْفِعْلَ إلَيْهِ نَصَبَهَا عَلَى التَّمْيِيزِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [مريم: ٤] وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ قُتَيْبَةَ وَغَيْرِهِ؛ لَكِنَّ ذَاكَ نَكِرَةٌ وَهَذَا مَعْرِفَةٌ.
وَهَذَا الَّذِي قَالَه الْكُوفِيُّونَ أَصَحُّ فِي اللُّغَةِ وَالْمَعْنَى؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ هُوَ السَّفِيهُ نَفْسُهُ: كَمَا قَالَ تَعَالَى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ} [البقرة: ١٤٢].
فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ}؛ أَيْ: تَخْتَانُ أَنْفُسُكُمْ؛ فَالْأَنْفُسُ هِيَ الَّتِي اخْتَانَتْ كَمَا أَنَّهَا هِيَ السَّفِيهَةُ.
وَقَالَ: اخْتَانَتْ وَلَمْ يَقلْ خَانَتْ؛ لِأَنَّ الِافْتِعَالَ فِيهِ زِيَادَةُ فِعْلٍ عَلَى مَا فِي مُجَرَّدِ الْخِيَانَةِ.
أَو يَكُونُ قَوْلُهُ: {تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ}؛ أَيْ: يَخُونُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَقَوْلِهِ: {فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: ٥٤].
وَالْأوَّلُ أَشْبَهُ.
وَخَانَ وَاخْتَانَ مِثْلُ كَسَبَ وَاكْتَسَبَ. [١٤/ ٤٣٨ - ٤٤٣]
١٤٦٥ - دَلَّ قَوْلُهُ تعالى: {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} [النساء: ١٠٧]، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجِدَالُ عَن الْخَائِنِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُجَادِلَ عَن نَفْسِهِ إذَا كَانَت خَائِنَةً: لَهَا فِي السِّرِّ أَهْوَاءٌ وَأَفْعَالٌ بَاطِنَةٌ تَخْفَى عَلَى النَّاسِ.
فَالِاعْتِذَارُ عَن النَّفْسِ بِالْبَاطِلِ وَالْجِدَالُ عَنْهَا لَا يَجُوز (١). [١٤/ ٤٤٤ - ٤٤٧]
(١) وكثير من الناس إذا ارتكب خطأ حاجج عن نفسه واعتذر لها بما يعلم أنه كذب، وهذا لا يجوز.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute