للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّأَسِّي هُوَ الْمَشْرُوعُ، فَإِذَا كَانَ الْبَلَدُ حَارًّا يَخْرُجُ فِيهِ الدَّمُ إلَى الْجِلْدِ كَانَتِ الْحِجَامَةُ هِيَ الْمَصْلَحَةَ، هاِن كَانَ الْبَلَدُ بَارِدًا يَغُورُ فِيهِ الدَّمُ إلَى الْعُرُوقِ كَانَ إخْرَاجُهُ بِالْفَصْدِ هُوَ الْمَصْلَحَةَ (١).

وَكَذَلِكَ ادِّهَانُهُ - صلى الله عليه وسلم -: هَل الْمَقْصُودُ خُصُوصُ الدَّهْنِ أَو الْمَقْصُودُ تَرْجِيلُ الشَّعْرِ؟

فَإِنْ كَانَ الْبَلَدُ رَطْبًا وَأَهْلُهُ يَغْتَسِلُونَ بِالْمَاءِ الْحَارِّ الَّذِي يُغْنِيهِمْ عَنِ الدَّهْنِ، وَالدَّهْنُ يُؤْذِي شُعُورَهُم وَجُلُودَهُمْ: يَكُونُ الْمَشْرُوعُ فِي حَقِّهِمْ تَرْجِيلَ الشَّعْرِ بِمَا هُوَ أَصْلَحُ لَهُمْ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْأشْبَهُ.

وَكَذَلِكَ لَمَّا كَانَ يَأْكُلُ الرُّطَبَ وَالتَّمْرَ وَخُبْزَ الشَّعِيرِ وَنَحْو ذَلِكَ مِن قُوتِ بَلَده، فَهَل التَّأَسِّي بِهِ أَنْ يُقْصَدَ خصُوصُ الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ وَالشَّعِيرِ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ مَن يَكُونُ فِي بِلَادٍ لَا يَنْبُتُ فِيهَا التَّمْرُ، وَلَا يَقْتَاتُونَ الشَّعِيرَ؛ بَل يَقْتَاتُونَ الْبُرَّ أَو الرُّزَّ أَو غَيْرَ ذَلِكَ؟

وَمَعْلُوئم أنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْمَشْرُوعُ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا فَتَحُوا الْأَمْصَارَ كَانَ كُلٌّ مِنْهُم يَأْكُلُ مَن قُوتِ بَلَدِهِ، وَيلْبَسُ مِن لِبَاسِ بَلَدِهِ، مِن غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَ أَقْوَاتَ الْمَدِينَةِ وَلبَاسَهَا.

وَلَو كَانَ هَذَا الثَّانِي هُوَ الْأَفْضَلَ فِي حَقِّهِمْ لَكَانُوا أَوْلَى بِاخْتِيَارِ الْأَفْضَلِ.

وَعَلَى هَذَا يُبْنَى نِزَاغ الْعُلَمَاءِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ إذَا لَمْ يَكُن أَهْلُ الْبَلَدِ يَقْتَاتُونَ التَّمْرَ وَالشَّعِيرَ: فَهَل يُخْرِجُونَ مِن قُوتِهِمْ كَالْبُرِّ وَالرُّزِّ، أَو يُخْرِجُونَ مِنَ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ؟


(١) فلا بد من مُراعاة مقاصد الشريعة، وعدم التمسك بظواهر النصوص دون النظر إلى المقصود منها، والحكمة من تشريعها.

<<  <  ج: ص:  >  >>