للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ يُخْرِجُ مِن قُوتِ بَلَدِهِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ كَمَا ذَكَرَ اللهُ ذَلِكَ فِي الْكَفَّارَةِ بِقَوْلِهِ: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: ٨٩].

وَمِن هَذَا الْبَابِ: أَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ أَنَّهُم كَانُوا يأتزرون وَيرْتَدُونَ؛ فَهَلِ الْأَفْضَلُ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَرْتَدِيَ ويأتزر وَلَو مَعَ الْقَمِيصِ، أَو الْأَفْضَلُ أنْ يَلْبَسَ مَعَ الْقَمِيصِ السَّرَاوِيلَ مِن غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ؟

هَذَا أَيْضًا مِمَّا تَنَازَعَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ، وَالثَّانِي أَظْهَرُ، وَهَذَا بَابُ وَاسِعٌ.

وَهَذَا سَمَّتْهُ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ: "تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ" وهُوَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ قَد ثَبَتَ فِي عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ وَلَيْسَ مَخْصُوصًا بِهَا بَلِ الْحُكْمُ ثَابِتٌ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا، فَيُحْتَاجُ أَنْ يُعْرَفَ "مَنَاطُ الْحُكْمِ".

مِثَالُ ذَلِكَ: أَنَّهُ قَد ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَن فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِىِ سَمْنٍ فَقَالَ: "اُلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوا سَمْنكُمْ" (١)، فَإِنَّهُ مُتَّفَق عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِتِلْكَ الْفَأَرَةِ وَذَلِكَ السَّمْنِ؛ بَل الْحُكْمُ ثَابِت فِيمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُمَا فَبَقِيَ الْمَنَاطُ الَّذِي عُلِّقَ بِهِ الْحُكْمُ مَا هُوَ؟.

وَلَيْسَ هَذَا مَبْنِيًّا عَلَى كَوْنِ الْقِيَاسِ حُجَّةً، فَإِنَّ الْقِيَاسَ الَّذِي يَكُونُ النِّزَاعُ فِيهِ هُوَ تَخْرِيجُ الْمَنَاطِ، وَهُوَ أَنْ يَجُوزَ اخْتِصَاصُ مَوْرِدِ النَّصِّ بِالْحُكْمِ، فَإِذَا جَازَ اخْتِصَاصُهُ، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ مَوْرِدِ النَّصِّ وَغَيْرِهِ: احْتَاجَ مُعْتَبِرُ الْقِيَاسِ إلَى أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ هُوَ مَنَاطُ الْحُكْمِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: "لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تَبِيعُوا الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تَبِيعُوا الشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تَبِيعُوا الْمِلْحَ بِالْمِلْحِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ" فَلَمَّا نَهَى عَنِ التَّفَاضُلِ فِي مِثْل هَذِهِ الْأَصْنَافِ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ لِمَعْنَى مُشْتَرَكٍ وَلمَعْنَى مُخْتَصٍّ.


(١) رواه البخاري (٢٣٥) بلفظ: "وما حولها فاطرحوه".

<<  <  ج: ص:  >  >>