وهذا هو الذي كان ينكره كثيرًا الشافعي وأحمد وغيرهما على من يفعله من أصحاب أبي حنيفة وغيرهم.
وكلام أحمد فيما تقدم أراد به هذا؛ فإن العلة السببية لم تعلم صحتها إلا بالرأي، فإذا عارضها النص كان مبطلًا لها.
والنص إذا عارض العلة دلَّ على فسادها، كما أنه إذا عارض الحكم الثابت بالقياس دل على فساده بالإجماع.
وأما إذا كانت العلة منصوصة، وقد جاء نص بتخصيص بعض صور العلة: فهذا مما لا ينكره أحمد بل ولا الشافعي ولا غيرهما (١)، كما إذا جاء نص في صورة وجاء نص يخالفه في صورة أخرى لكن بينهما شبه لم يقم دليل على أنه مناط الحكم: فهؤلاء يقرون النصوص ولا يقيسون منصوصًا على منصوص خالف حكمه؛ بل هذا من جنس الذين قالوا:{إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا}[البقرة: ٢٧٥] وهذا هو الذي قال أحمد فيه: أنا أذهب إلى كل حديث كما جاء ولا أقيس عليه؛ أي: لا أقيس عليه صورة الحديث الآخر فأجعل الأحاديث متناقضة وأدفع بعضها ببعض بل أستعملها كلها.
والذين يدفعون بعض النصوص ببعض يقولون: الصورتان سواء لا فرق بينهما فيكون أحد النصين ناسخًا للآخر.
ومثل هذا كثيرًا ما يتنازع فيه فقهاء الحديث ومن ينازعهم ممن يقيس منصوصًا على منصوص ويجعل أحد النصين منسوخًا لمخالفته قياس النص الآخر، فيمضي هذا القياس ويبقى الأمر دائرًا: هل دلَّ الشرع على التسوية بين الصورتين حتى يجعل حكمهما سواء ويجعل الحكم الوارد في إحداهما منسوخًا بالحكم المضاد له الوارد في الأخرى؟
(١) مثاله: علة القصر: السفر، وقد جاء نص بتخصيص بعض صور العلة، وهو ما إذا صلى المسافر خلف مقيم فإنه يُتم.