وَعَنْهُ فِي تَكْفِيرِ مَن لَا يُكَفِّرُ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَكْفُرُ.
وَرُبَّمَا جَعَلَ بَعْضُهُم الْخِلَافَ فِي تَكْفِيرِ مَن لَا يُكَفِّرُ مُطْلَقًا وَهُوَ خَطَأٌ مَحْضٌ.
وَالْجَهْمِيَّة -عِنْدَ كَثِيرٍ مِن السَّلَفِ: مِثْل عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَيُوسُفَ بْنِ أَسْبَاطَ وَطَائِفَةٍ مِن أَصْحَابِ الْإمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ- لَيْسُوا مِن الثِّنْتَيْنِ وَالسَّبْعِينَ فِرْقَةً الَّتِي افْتَرَقَتْ عَلَيْهَا هَذِهِ الأُمَّةُ؛ بَل أُصُولُ هَذِهِ عِنْدَ هَؤُلَاءِ: هُم الْخَوَارجُ، وَالشِّيعَةُ، وَالْمُرْجِئَةُ، وَالْقَدَرِيَّةُ.
وَهَذَا الْمَأْثُورُ عَن أَحْمَد، وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَن عَامَّةِ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ، أَنَّهُم كَانُوا يَقُولُونَ: مَن قَالَ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَن قَالَ: إنَّ اللهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ كَافِرٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ.
ثُمَّ حَكَى أَبُو نَصْرٍ السِّجْزيُّ عَنْهُم فِي هَذَا قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كُفْرٌ يَنْقُلُ عَن الْمِلَّةِ، قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ.
وَالثَّافي: أَنَّهُ كُفْرٌ لَا يَنْقُل.
وَسَبَبُ هَذَا التَّنَازُعِ تَعَارُضُ الْأدِلَّةِ (١)، فَإِنَّهُم يَرَوْنَ أَدِلَّةً تُوجِبُ إلْحَاقَ أَحْكَامِ الْكُفْرِ بِهِمْ، ثُمَّ إنَّهُم يَرَوْنَ مِن الْأَعْيَانِ الَّذِينَ قَالُوا تِلْكَ الْمَقَالَاتِ مَن قَامَ بِهِ مِنَ الْإِيمَانِ مَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا، فَيَتَعَارَضُ عِنْدَهُم الدَّليلَانِ.
وَحَقِيقَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُم أَصَابَهُم فِي أَلْفَاظِ الْعُمُومِ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ مَا أَصَابَ الْأَوَّلينَ فِي أَلْفَاظِ الْعُمُومِ فِي نُصُوصِ الشَّارعِ، كُلَّمَا رَأَوْهُم قَالُوا: مَن قَالَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ اعْتَقَدَ الْمُسْتَمِعُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ شَامِل لِكُلِّ مَن قَالَهُ، وَلَمْ يَتَدَبَّرُوا أَنَّ التَّكْفِيرَ لَهُ شُرُوطٌ وَمَوَانِعُ قَد تَنْتَفي فِي حَقِّ الْمُعَيَّنِ، وَأَنَّ تَكْفِيرَ الْمُطْلَقِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَكْفِيرَ الْمُعَيَّنِ، إلَّا إذَا وُجِدَتِ الشُّرُوطُ وَانْتَفَتِ الْمَوَانِعُ.
(١) في الظاهر كما لا يخفى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute