للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَهُوَ قَد عَلِمَ أَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ أَرْجَحُ، وَهَذَا الظَّنَّ أَرْجَحُ، فَالْفِقْهُ هُوَ عِلْمُهُ بِرُجْحَانِ هَذَا الدَّلِيلِ وَهَذَا الظَّنِّ.

لَيْسَ الْفِقْهُ قَطْعَهُ بِوُجُوبِ الْعَمَل؛ أَيْ: بِمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ؛ بَل هَذَا الْقَطْعُ مِن أُصُولِ الْفِقْهِ، وَالْأصُولِيُّ يَتَكَلّمُ فِي جِنْسِ الْأدِلَّةِ، ويتَكَلَّمُ كَلَامَا كُلِيًّا، فَيَقُولُ: يَجِبُ إذَا تَعَارَضَ دَلِيلَانِ أَنْ يُحْكَمَ بِأَرْجَحِهِمَا، وَيَقُولُ أَيْضًا: إذَا تَعَارَضَ الْعَامُّ وَالْخَاصُّ فَالْخَاصُّ أرْجَحُ، وَإِذَا تَعَارَضَ الْمُسْنَدُ وَالْمُرْسَلُ فَالْمُسْنَدُ أَرْجَحُ، وَيَقُولُ أَيْضًا: الْعَامُّ الْمُجَرَّدُ عَن قَرَائِنِ التَّخْصِيصِ شُمُولُهُ الْأفْرَادَ أَرْجَحُ مِن عَدَمِ شُمُولِهِ، ويجِبُ الْعَمَلُ بِذَلِكَ. فَأَمَّا الْفَقِيهُ: فَيَتَكَلَّمُ فِي دَليلِ مُعَيَّنِ فِي حُكْمٍ مُعَيَّنٍ.

فَقَد تَبَيَّنَ أَنَّ الظَّنَّ لَهُ أَدِلَّةٌ تَقْتَضِيهِ وَأنَّ الْعَالِمَ إنَّمَا يَعْلَمُ بِمَا يُوجِبُ الْعِلْمَ بِالرُّجْحَانِ لَا بِنَفْسِ الظَّنِّ إلَّا إذَا عَلِمَ رُجْحَانَهُ وَأَمَّا الظَّنُّ الَّذِي لَا يُعْلَمُ رُجْحَانُهُ فَلَا يَجُوزُ اتِّبَاعُهُ وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي ذَمَّ اللهُ بِهِ مَن قَالَ فِيهِ: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} [الأنعام: ١١٦] فَهُم لَا يَتَّبِعُونَ إلَّا الظَّنّ لَيْسَ عِنْدَهُم عِلْمٌ. وَلَو كَانُوا عَالِمِينَ بِأَنَّهُ ظَنٌّ رَاجِحٌ لَكانُوا قَد اتَّبَعُوا عِلْمًا لَمْ يَكُونُوا مِمَن يَتَّبعُ إلَّا الظَّنَّ وَاللهُ أعْلَمُ. [١٣/ ١١٠ - ١٢٠]

٢٠١٤ - من المعلوم لمن تدبر الشريعة أنَّ أحكام عامة أفعال العباد معلومة لا مظنونة، وأن الظن فيها إنما هو قليل جدًّا في بعض الحوادث لبعض المجتهدين، فأما كالب الأفعال مفادها وأحداثها فغالب أحكامها معلومة ولله الحمد. [الاستقامة ٦٧]

٢٠١٥ - إِذَا أُرِيدَ بِالْخَطَأِ الْإثْمُ: فَلَيْسَ الْمُجْتَهِدُ بِمُخْطِئٍ؛ بل كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ مُطِيعٌ للهِ فَاعِلٌ مَا أَمَرَهُ اللهُ بِهِ:

وَإِذَا أُرِيدَ بِهِ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْحَقِّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ: فَالْمُصِيبُ وَاحِدٌ وَلَهُ أَجْرَانِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>