للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا بِمَا يُفْضِي إلَى قَتْلِ أُولَئِكَ الْمُتَتَرَّسِ بِهِم جَازَ ذَلِكَ (١).

وَإِن لَمْ يَخَفِ الضَّرَرَ، لَكِنْ لَمْ يُمْكِنِ الْجِهَادُ إلَّا بِمَا يُفْضِي إلَى قَتْلِهِمْ: فَفِيهِ قَوْلَانِ.

وَأمّا الثالث: فَمِثْلُ أَكْلِ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ؛ فَإِنَّ الْأَكْلَ حَسَنَةٌ وَاجِبَةٌ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِهَذِهِ السَّيِّئةِ، وَمَصْلَحَتُهَا رَاجِحَةٌ.

وَعَكْسُهُ الدَّوَاءُ الْخَبِيث؛ فَإِنَّ مَضَرَّتَهُ رَاجِحَة عَلَى مَصْلَحَتِهِ مِن مَنْفَعَةِ الْعِلَاجِ؛ لِقِيَامِ غَيْرِهِ مَقَامَهُ، وَلأَنَّ الْبُرْءَ لَا يُتيَقَّنُ بِهِ، وَكَذَلِكَ شُرْبُ الْخَمْرِ لِلدَّوَاءِ.

فَتبيَّنَ أَنَّ السَّيِّئَةَ تُحْتَمَلُ فِي مَوْضِعَيْنِ:

أ- دَفْعِ مَا هُوَ أَسْوَأُ مِنْهَا إذَا لَمْ تُدْفَعْ إلَّا بِهَا.

ب- وَتَحْصُلُ بِمَا هُوَ أَنْفَعُ مِن تَرْكِهَا إذَا لَمْ تَحْصُلْ إلَّا بِهَا.


(١) فهم خوارج العصر كلام الشيخ فهمًا خاطئًا، واستباحوا به دماء المسلمين والمعاهدين، وروَّعوا الآمنين، وفهموا منه وجوب تفجير وقتل الكفار ولو كانوا مُستأمنين، ولو كان قتلهم يُفضي إلى قتل بعض المسلمين! وهذا ضلال لا يقول به عاقل، فضلًا عن هذا الإمام العَلَم الكبير.
ومعنى التترس: التستر بالتُرس، والمراد به عند العلماء: أن يتستر الكفار في الحرب بمن لا يحل قتلهم؛ كالصبيان والنساء والأسرى.
وقد قرر أهل العلم أن قتل المسلمين المتترس بهم لا يجوز إلا بشرط أن يُخاف على المسلمين الآخرين الضرر بترك قتال الكفار، بأن كان في الكفّ عن قتالهم انهزامٌ للمسلمين، واسْتباحةٌ لحرماتهم، وسقوط بُلدانهم بأيديهم. فإذا لم يحصل ضرر بترك قتال الكفار في حال التترس بقي حكم قتل المتترس بهم على الأصل وهو التحريم.
فجوازه لأجل الضرورة وليس مطلقًا.
أما لو قتل المسلمون المُتترس بهم دون خوفٍ مُحقق من الكفار، فإننا نكون قد ارتكبنا ضررًا عظيمًا وهو قتل مسلم، لا لدفع ضرر عام، بل لمجرد قتل كفار! والأصل في دماء المسلمين الحرمة، فكيف نستبيح دمه لأجل قتل كفار؟
ويُقال في الرد على هؤلاء: إن مسألة التترس خاصة بحال الحرب، وهي الخال التي تكون فيها المصافة والمواجهة العسكرية - وهؤلاء الكفار المستهدفون بالتفجير لسنا في حال حرب معهم، بل هم معاهدون مسالَمون.

<<  <  ج: ص:  >  >>