للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

بَل يُقَالُ: هُم مَأْمُورُونَ إذَا قُرِئَ عَلَيْهِم الْقرْآن بِالسُّجُودِ، وَإِن لَمْ يَكُن السُّجُودُ التَّامُّ عَقِبَ اسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ، فَإِذَا قَامُوا إلَى الصَّلَاةِ فَقَد أَتَوْا بِالسُّجودِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ، وَهُم لَمَّا قُرِئَ عَلَيْهِم حَصَلَ لَهُم نَوْعٌ مِن الْخُضُوعِ وَالْخُشُوعِ بِاعْتِقَادِ الْوُجُوبِ وَالْعَزْمِ عَلَى الِامْتِثَالِ، فَإِذَا اعْتَقَدُوا وُجُوبَ الصَّلَاةِ وَعَزَمُوا عَلَى الِامْتِثَالِ فَهَذَا مَبْدَأُ السُّجُودِ الْمَأْمُورِ بِهِ، ثُمَّ إذَا صَلَّوْا فَهَذَا تَمَامُهُ.

فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا فسِّرَ السُّجودُ بِالصَّلَاةِ كَمَا قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ لَمْ يَجِبْ سُجُودُ التِّلَاوَةِ.

قِيلَ: الصَّلَاةُ مُرَادَةٌ مِن جِنْسِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذِهِ الْآيَةُ تُوجِبُ عَلَى مَن قُرِئَ عَلَيْهِ الْقُرْاَنُ أَنْ يَسْجُدَ، فَإِنْ قُرِئَ عَلَيْهِ خَارجَ الصَّلَاةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ قَرِيبًا إذَا حَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ مَا مِن سَاعَةٍ يُقْرأُ عَلَيْهِ فِيهَا الْقُرْآنُ إلَّا هُوَ وَقْتُ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا؛ إذ بَيْنَه وَبَيْنَ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ أَقَلُّ مِن نِصْفِ يَوْمِ، فَإِذَا لَمْ يُصَلِّ فَهُوَ مِمَن إذَا قُرِئَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُ، فَإِنْ قُرِئَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي الصَّلَاةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ سَجْدَةً يَخِرُّ فِيهَا مِن قِيَامٍ، وَسَجْدَةٍ يَخِرُّ فِيهَا مِن قُعُودٍ، وَكُل مِنْهُمَا بَعْدَ رُكُوعٍ كَمَا بَيَّنهُ الرَّسُولُ - صلى الله عليه وسلم -.

وَأَمَّا السُّجُودُ عِنْدَ تِلَاوَةِ هَذِهِ الْآيَةِ: فَهُوَ السُّجُودُ الْخَاصُّ، وَهُوَ سُجُودُ التِّلَاوَةِ، وَهَذَا سُجُودٌ مُبَادَرٌ إلَيْهِ عِنْدَ سَمَاعِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَإِنَّهَا أَمَرَتْهُ أَنْ يَسْجُدَ إذَا قُرِئَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، فَمِن تَمَامِ الْمُبَادَرَةِ أَنْ يَسْجُدَ عِنْدَ سَمَاعِهَا سُجُودَ التّلَاوَةِ، ثُمَّ يَسْجُدَ عِنْدَ تِلَاوَةِ غَيْرِهَا كَمَا تَقَدَّم.

فَتخَصُّ بِالسُّجُودِ لَهَا، ويَسْجُدُ فِي الصَّلَاةِ إذَا قُرِئَتْ كَمَا يَسْجُدُ إذَا قُرِئَ غَيْرُهَا.

وَبِهَذَا فَسَّرَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَإنَّهُ سَجَدَ بِهَا فِي الصَّلَاةِ.

وَعَن أَحْمَد فِي وُجُوبِ هَذَا السُّجُودِ فِي الصَّلَاةِ رِوَايَتَانِ: وَالْأَظْهَرُ الْوُجُوبُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ؛ لِوُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ:

<<  <  ج: ص:  >  >>