فَالْجَمْعُ لَيْسَ مِن خَصَائِصِ السَّفَرِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْقَصْرِ فَإنَّهُ لَا يُشْرَعُ إلَّا لِلْمُسَافِرِ. مجموع الفتاوى (٢٦/ ١٦٩). وذهب الشافعية والحنابلة -وهو إحدى الروايات عن الإمام مالك- إلى أنه يباح الجمع في كل سفر يقصر فيه، سواء كان جادًّا في سفره أم نازلًا بحيث لا تنقطع عنه أحكام السفر. مغني المحتاج (١/ ٥٢٩)، وكشاف القناع (٢/ ٥)، والبيان والتحصيل (١٨/ ١١٠). قال ابن قدامة: "وإن أحب أن يجمع بين الصلاتين في وقت الأولى منهما، جاز، نازلًا كان أو سائرًا، أو مقيمًا في بلد إقامة لا تمنع القصر. وهذا قول عطاء، وجمهور علماء المدينة، والشافعي، وإسحاق، وابن المنذر". المغني (٢/ ٢٠١). واستدلوا على ذلك بحديث معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أنه قال: "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام غزوة تبوك، فكان يجمع الصلاة، فصلى الظهر والعصر جميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا، حتى إذا كان يومًا أخّر الصلاة، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعًا، ثم دخل، ثم خرج بعد ذلك، فصلى المغرب والعشاء جميعًا". رواه مسلم (٧٠٦). قال ابن قدامة: "في هذا الحديث أوضح الدلائل، وأقوى الحجج، في الرد على من قال: لا يجمع بين الصلاتين إلا إذا جدّ به السير؛ لأنه كان يجمع وهو نازل غير سائر، ماكث في خبائه، يخرج فيصلي الصلاتين جميعًا، ثم ينصرف إلى خبائه .... والأخذ بهذا الحديث متعين؛ لثبوته وكونه صريحًا في الحكم، ولا معارض له، ولأن الجمع رخصة من رخص السفر، فلم يختص بحالة السير، كالقصر والمسح، ولكن الأفضل التأخير؛ لأنه أخذ بالاحتياط، وخروج من خلات القائلين بالجمع، وعمل بالأحاديث كلها". اهـ. المغني (٢/ ٢٠٢).