وقد ذكر الشيخ رحمه الله تعالى أنَّ الْأحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ كُلَّهَا بَيَّنَتْهَا النُّصُوصُ، وأنَّ الْأحْكَامَ الَّتِي تَحْتَاجُ الْأُمَّةُ إلَى مَعْرِفَتِهَا لَا بُذَ أَنْ يُبَيِّنَهَا الرَسُولُ - صلى الله عليه وسلم - بَيَانًا عَامًّا، وَلَا بُدَّ أَنْ تَنْقُلَهَا الْأُمَّةُ، فَإذَا انْتَفَى هَذَا: عُلِمَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِن دِينِهِ، وَهَذَا كَمَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَفْرِضْ صِيَامَ شَهْرٍ غَيْرِ رَمَضَانَ، وَلَا حَجَّ بَيْتٍ غَيْرِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَلَا صَلَاةً مَكْتُوبَةً غَيْرَ الْخَمْسِ، وَلَمْ يُوجِب الْغُسْل فِي مُبَاشَرَةِ الْمَرْأةِ بِلَا إنْزَالٍ، وَلَا أَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِن الْفَزَعِ الْعَظِيمِ وَإِن كَانَ فِي مَظِنَّةِ خُرُوج الْخَارجِ. ا هـ. (٢٥/ ٢٣٦ - ٢٣٧) وقال: إِذَا كَانَت الْأحْكَامُ الَّتِي تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى: لَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَهَا الرَّسُولُ - صلى الله عليه وسلم - بَيَانًا عَامًّا، وَلَا بُدَّ أَنْ تَنْقُلَ الْأُمَّةُ ذَلِكَ. اهـ. (٢٥/ ٢٤١) وقد ثبت بالكتاب والسُّنَّة والإجماع القصر في السفر، فلا يجوز تخصيص سفر دون سفر إلا بالحجة والبيان الصحيح الصريح من كلام الله تعالى أو كلام رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، فإنَّ القصر في السفر مِن دينِ الْمُسْلمينَ الَّذي يَحْتَاجُ إلَى مَعْرفتِهِ الخاصُّ والْعامُّ، فلوْ كان خصص سفرًا دون سفر بالقصر ونحوه لكان هذَا ممَّا يجبُ على الرَّسُولِ بيانُهُ، ولوْ ذكرَ ذلكَ لعلِمَهُ الصَّحابةُ وبَلَّغُوهُ الْأُمَّةَ كما بَلَّغوا سائِرَ شَرْعِه. وقد يقول قائل: أفلا نأخذ بقول الجمهور من باب الاحتياط؟ والجواب أن نقول ما قال الشيخ رَحِمهُ اللهِ: إِن الِاحْتيَاطَ إنَّمَا يُشْرَعُ إذَا لَمْ تَتَبَيَّنْ سُنَّةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَإذَا تَبَيَّنَت السُّنَةُ فَاتِّبُاعُهَا أوْلَى. اهـ. (٢٦/ ٥٤) (١) أَنَّهُ قَالَ: لَو سَافَرْت مِيلًا لَقَصَرْت. واختار ابن حزم القصر في مسافة ميل.