للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

المسافة ميلًا (١).

وَلَا ريبَ أَنْ قُبَاء مِنَ الْمَدِينَةِ أَكْثَرُ مِن مِيلٍ، وَمَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ وَلَا غَيْرُهُ يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ إذَا ذَهَبُوا إلَى قُبَاء.

فَقَصْرُ أَهْلِ مَكَّةَ الصَّلَاةَ بِعَرَفَةَ وَعَدَمُ قَصْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الصَّلَاةَ إلَى قُبَاء وَنَحْوِهَا مِمَّا حَوْلَ الْمَدِينَةِ: دَلِيلٌ عَلَى الْفَرْقِ.

وَالصَّلَاةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ إذَا كَانَت مُخْتَصَّةً بِالسَّفَرِ: لَا تُفْعَلُ إلَّا فِيمَا يُسَمَّى سَفَرًا؛ وَلهَذَا لَمْ يَكُن النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي خُرُوجِهِ إلَى مَسْجِدِ قُبَاء، مَعَ أَنَّهُ كَانَ يَذْهَبُ إلَيْهِ رَاكِبًا وَمَاشِيًا، وَلَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ الدَّاخِلُونَ مِن الْعَوَالِي يَفْعَلُونَ ذَلِكَ؛ وَهَذَا لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسَافَةَ قَرِيبَة كَالْمَسَافَةِ فِي الْمِصْرِ.

وَاسْمُ "الْمَدِينَةِ" يَتَنَاوَلُ الْمَسَاكِنَ كُلَّهَا، فَلَمْ يَكُن هُنَاكَ إلا أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالْأَعْرَابُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، فَمَن لَمْ يَكُن مِنَ الْأعْرَابِ كَانَ مِن أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ مَسِيرُهُ إلَى قُبَاء كَأَنَّهُ فِي الْمَدِينَةِ، فَلَو سُوِّغَ ذَلِكَ: سُوّغَتِ الصَّلَاةُ فِي الْمِصْرِ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا.

وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ بِحَالٍ (٢): لَا فِي وَقْتِ الْأُولَى وَلَا فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِذَلِكَ حَدٌّ فِي الشَّرْعِ، وَلأنَّ مُرَاعَاةَ ذَلِكَ يُسْقِطُ مَقْصُودَ الرُّخْصَةِ، وَهُوَ شَبِية بِقَوْلِ مَن حَمَلَ الْجَمْعَ عَلَى الْجَمْعِ بِالْفِعْلِ، وَهُوَ أَنْ يُسَلِّمَ مِن الْأُولَى فِي آخِرِ وَقْتِهَا وَيُحْرِمَ بِالثَّانِيَةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، كَمَا تَأَوَّلَ جَمْعَهُ عَلَى ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِن الْعُلَمَاءِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرهمْ، وَمُرَاعَاةُ هَذَا مِن أَصْعَبِ الْأَشْيَاءِ وَأَشَقِّهَا.

وَالْجَمْعُ جَائِزٌ فِي الْوَقْتِ الْمُشْتَرَكِ، فَتَارَةً يَجْمَعُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ كَمَا جَمَعَ


(١) أي: إذا جاوزت البلد مسافة ميل شرعت في القصر.
(٢) فإذَا صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَالْعِشَاءَ فِي آخِرِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ -حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ- جَازَ ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>