للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فَالْأَصْلُ هُوَ الْعَمَلُ الَّذِي يُسَمَّى سَفَرًا، وَلَا يَكُونُ الْعَمَلُ إلَّا فِي زَمَانٍ، فَيُعْتَبَرُ الْعَمَلُ الَّذِي هُوَ سَفَرٌ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا فِي مَكَانٍ يُسْفِرُ عَنِ الْأَمَاكِنِ، وَهَذَا مِمَّا يَعْرِفُهُ النَّاسُ بِعَادَاتِهِمْ، لَيْسَ لَهُ حَدٌّ فِي الشَّرْعِ وَلَا اللُّغَةِ، بَل مَا سَمَّوْه سَفَرًا فَهُوَ سَفَرٌ. [٢٤/ ١٣٤ - ١٣٥]

٢٨١٨ - الْإِقَامَةُ: هِيَ خِلَافُ السَّفَرِ؛ فَالنَّاسُ رَجُلَانِ: مُقِيمٌ وَمُسَافِرٌ.

وَلهَذَا كَانَت أَحْكَامُ النَّاسِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَحَدَ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ: إمَّا حُكْمُ مُقِيمٍ، وَإِمَّا حُكْمُ مُسَافِرٍ، وَقَد قَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} [النحل: ٨٠]، فَجَعَلَ لِلنَّاسِ يَوْمَ ظَعْنٍ وَيوْمَ إقَامَةٍ.

وَقَد أَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّتِهِ بِمَكَّةَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ سِتَّةَ أَيَّامٍ بِمِنَى وَمُزْدَلِفَةَ وَعَرَفَةَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُم كَانُوا مُسَافِرِينَ، وَأَقَامَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، وَأَقَامَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ.

وَمَعْلُومٌ بِالْعَادَةِ أَنَّ مَا كَانَ يَفْعَلُ بِمَكَّةَ وَتَبُوكَ لَمْ يَكُن يَنْقَضِي فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَا أَرْبَعَةٍ حَتَّى يُقَالَ: إنَّهُ كَانَ يَقُولُ الْيَوْمَ أُسَافِرُ، غَدًا أُسَافِرُ! بَل فَتَحَ مَكَّةَ وَأَهْلُهَا وَمَا حَوْلَهَا كُفَّارٌ مُحَارِبونَ لَهُ، وَهِيَ أَعْظَمُ مَدِينَةٍ فَتَحَهَا، وَبِفَتْحِهَا ذَلَّتِ الْأَعْدَاءُ وَأَسْلَمَتِ الْعَرَبُ، وَسَرَى السَّرَايَا إلَى النَّوَاحِي يَنْتَظِرُ قُدُومَهُمْ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْأمُورِ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَنْقَضِي فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، فَعُلِمَ أَنَّهُ أَقَامَ لِأُمُورٍ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَنْقَضِي فِي أَرْبَعَةٍ، وَكَذَلِكَ فِي تَبُوكَ.

وَأَيْضًا: فَمَن جَعَلَ لِلْمُقَامِ حَدَّا مِنَ الْأَيَّامِ: إمَّا ثَلَاثَةً وَإِمَّا أَرْبَعَةً وَإِمَّا عَشَرَة وَإِمَّا اثْنَيْ عَشَرَ وَإِمَّا خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ قَالَ قَوْلًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مِن جِهَةِ الشَّرْعِ، وَهِيَ تَقْدِيرَاتٌ مُتَقَابِلَةٌ.

فَقَد تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ تَقْسِيمَ النَّاسِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: إلَى مُسَافِرٍ، وَإِلَى مُقِيمٍ مُسْتَوْطِنٍ، وَهُوَ الَّذِي يَنْوِي الْمُقَامَ فِي الْمَكَانِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي تَنْعَقِدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>