للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

بِهِ الْجُمُعَةُ وَتَجِبُ عَلَيْهِ، وَهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ إتْمَامُ الصَّلَاةِ بِلَا نِزَاعٍ، فَإِنَّه الْمُقِيمُ الْمُقَابِلُ لِلْمُسَافِرِ، وَالثَّالِثُ: مُقِيم غَيْرُ مُسْتَوْطِنٍ أَوْجَبُوا عَلَيْهِ إتْمَامَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَأَوْجَبُوا عَلَيْهِ الْجُمُعَةَ وَقَالُوا: لَا تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ، وَقَالُوا: إنَّمَا تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ بِمُسْتَوْطِنٍ.

وَهَذَا التَّقْسِيمُ -وَهُوَ تَقْسِيمُ الْمُقِيمِ إلَى مُسْتَوْطِنٍ وَغَيْرِ مُسْتَوْطِنٍ- تَقْسِيمٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مِن جِهَةِ الشَّرْعِ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَن لَا تَنْعَقِدُ بِهِ؛ بَل مَن وَجَبَتْ عَلَيْهِ انْعَقَدَتْ بِهِ.

وَالنَبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَدِمَ ضبْحَ رَابِعَةٍ مِن ذِي الْحِجَّةِ (١)، وَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، لَكِنْ مِن أَيْنَ لَهُم أَنَّهُ لَو قَدِمَ صُبْحَ ثَالِثَةٍ وَثَانِيَةِ كَانَ يُتِمُّ وَيَأْمُرُ أَصْحَابَهُ بِالْإِتْمَامِ؟

لَيْسَ فِي قَوْلِهِ وَعَمَلِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.

وَلَو كَانَ هَذَا حَدًّا فَاصِلًا بَيْنَ الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ لَبَيَّنَهُ لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة: ١١٥]، وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ بِنِيَّةِ أَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ يُقِيمُهَا لَيْسَ هُوَ أَمْرًا مَعْلُومًا لَا بِشَرْعٍ وَلَا لُغَةٍ وَلَا عُرْفٍ (٢).

وَقَد رَخَّصَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِلْمُهَاجِرِ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا، وَالْقَصْرُ فِي هَذَا جَائِزٌ عِنْدَ الْجَمَاعَةِ، وَقَد سَمَّاهُ إقَامَة، وَرَخَّصَ لِلْمُهَاجِرِ أَنْ يُقِيمَهَا، فَلَو أَرَادَ الْمُهَاجِرُ أَنْ يُقِيمَ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ بَعْدَ قَضَاءِ النُّسُكِ لَمْ يَكُن لَهُ


(١) قال العلَّامة ابن عثيمين رَحِمهُ اللهُ في شرحه لعبارة زاد المستقنع: "أَو نَوَى إِقَامَةَ أَكْثَرَ مِن أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ": إذا رجعنا إلى ما يقتضيه ظاهر الكتاب والشُنة وجدنا أن القول الذي اختاره شيخ الإِسلام رَحِمهُ اللهُ هو القول الصحيح، وهو أن المسافر مسافر، سواء نوى إقامة أكثر من أربعة أيام أو دونها. اهـ. الشرح الممتع (٤/ ٣٧٤).
(٢) فهل يُعقل أنْ يشرع الله حكمًا ينبني عليه صحة أو بطلان عبادات من أعظم العبادات البدنية من صلاة وصيام ووضوء ونحوها، بخطابٍ غيرِ واضح الدلالة، بل يشرع هذا الحكم الكبير بطرق خفيَّةٍ، غامضةٍ غيرِ صريحة؟
لا يُظن ذلك بالشارع الحكيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>