للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ فَرْقٌ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ؛ بَلِ الْمُهَاجِرُ مَمْنُوعٌ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ أَكْثَرَ مِن ثَلَاثٍ بَعْدَ قَضَاءِ الْمَنَاسِكِ.

وَقَد أَقَامَ الْمُهَاجِرُونَ مَعَ النَبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الْفَتْحِ قَرِيبًا مِن عِشْرِينَ يَوْمًا بِمَكَّةَ، وَلَمْ يَكُونُوا بِذَلِكَ مُقِيمِينَ إقَامَةً خَرَجُوا بِهَا عَنِ السَّفَرِ، وَلَا كَانُوا مَمْنُوعِينَ؛ لِأَنَّهُم كَانُوا مُقِيمِينَ لِأَجْلِ تَمَامِ الْجِهَادِ وَخَرَجُوا مِنْهَا إلَى غَزْوَةِ حنين.

وَهَذَا بِخِلَافِ مَن لَا يَقْدُمُ إلَّا لِلنُّسُكِ فَإنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى أَكْثَرَ مِن ثَلَاثٍ.

فَعُلِمَ أَنَ هَذَا التَّحْدِيدَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَصْرِ وَلَا بِتَحْدِيدِ السَّفَرِ.

وَاَلَّذِينَ حَدُّوا ذَلِكَ بِأَرْبَعَةٍ مِنْهُم مَنِ احْتَجَّ بِإِقَامَةِ الْمُهَاجِرِ وَجَعَلَ يَوْمَ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ غَيْرَ مَحْسُوبٍ، وَمِنْهُم مَن بَنَى ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ مَن قَدِمَ الْمِصْرَ أَنْ يَكُونَ مُقِيمًا يُتِمُّ الصَّلَاةَ، لَكِنْ ثَبَتَتِ الْأرْبَعَةُ بِإِقَامَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّتِهِ فَإنَّهُ أَقَامَهَا وَقَصَرَ، وَقَالُوا فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ وَتَبُوكَ: إنَّهُ لَمْ يَكُن عَزَمَ عَلَى إقَامَةِ مُدَّةٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ عَامَ الْفَتْحِ غَزْوَ حنين، وَهَذَا الدَّلِيلُ مَبْنِي عَلَى أَنَّهُ مَن قَدِمَ الْمِصْرَ فَقَد خَرَجَ عَن حَدِّ السَّفَرِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ، بَل هُوَ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَالْإجْمَاعِ وَالْعُرْفِ، فَإِنَّ التَّاجِرَ الَّذِي يَقْدُمُ لِيَشْتَرِيَ سِلْعَةً أَو يَبِيعَهَا وَيَذْهَبُ: هُوَ مُسَافِرٌ عِنْدَ النَّاسِ، وَقَد يَشْتَرِي السِّلْعَةَ وَيَبِيعُهَا فِي عِدَّةِ أَيَّامٍ وَلَا يَحِدُّ النَّاسُ فِي ذَلِكَ حَدًّا. [٢٤/ ١٣٦ - ١٤٠]

٢٨١٩ - فِي "الصَّحِيحَيْنِ" (١) عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ زيدٍ قَالَ: صَلَّى بِنَا عُثْمَانُ بِمِنَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَقِيلَ ذَلِكَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَاسْتَرْجَعَ وَقَالَ: صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمِنَى رَكعَتَيْنِ، وَصَلَّيْت مَعَ أَبِي بَكْرِ بِمِنَى رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْت مَعَ عُمَرَ بِمِنَى رَكْعَتَيْنِ، فَلَيْتَ حَظِّي مِن أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ.

وَإِتْمَامُ عُثْمَانَ - رضي الله عنه - قَد قِيلَ إنَّهُ كَانَ لِأَنَّهُ تَأَهَّلَ بِمَكَّةَ فَصَارَ مُقِيمًا.


(١) رواه البخاري (١٠٨٤)، ومسلم (٦٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>