للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صَيْفًا تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ، إذ (١) كَانَ مَبْنِيًّا بِمَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُم: مِن مَدَرٍ وَخَشَبٍ، أَو قَصَبٍ، أَو جَرِيدٍ، أو سَعَفٍ، أَو غَيْرِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ أَجْزَاءَ الْبِنَاءِ وَمَادَّتَهُ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي ذَلِكَ، إنَّمَا الْأَصْل أَنْ يَكُونُوا مُسْتَوْطِنِينَ لَيْسُوا كَأَهْلِ الْخِيَامِ وَالْحُلَلِ الَّذِينَ يَنْتَجِعُونَ فِي الْغَالِبِ مَوَاقِعَ الْقَطْرِ، وَيَتَنَقَّلُونَ فِي الْبِقَاعِ، وَيَنْقُلُونَ بُيُوتَهُم مَعَهُم إذَا انْتَقَلُوا، وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَد: لَيْسَ عَلَى الْبَادِيَةِ جُمُعَةٌ لِأَنَّهُم يَنْتَقِلُونَ.

فَعَلَّلَ سُقُوطَهَا بِالِانْتِقَالِ، فَكُلُّ مَن كَانَ مُسْتَوْطِنًا لَا يَنْتَقِلُ بِاخْتِيَارِهِ فَهُوَ مِن أَهْلِ الْقُرَى (٢). [٢٤/ ١٦٦ - ١٦٩]

٢٨٤٠ - تَنَازَعَ النَّاسُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ: هَل تُشْتَرَطُ لَهُمَا الْإِقَامَةُ أَمْ تُفْعَلُ فِي السَّفَرِ؟ عَلَى ثَلَاَثةِ أقوَالٍ:

أَحَدُهَا: مِن شَرْطِهِمَا جَمِيعًا الْإِقَامَةُ فَلَا يُشْرَعَانِ فِي السَّفَرِ، هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَد فِي أظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ.

وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْجُمُعَةِ دُونَ الْعِيدِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.

وَالثَّالِثُ: لَا يُشْتَرَطُ لَا فِي هَذَا وَلَا هَذَا كَمَا يَقُولُهُ مَن يَقُولُهُ مِنَ الظَّاهِرِيَّةِ.

وَالصَّوَابُ بِلَا ريبٍ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ لِلْمُسَافِرِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُسَافِرُ أَسْفَارًا كَثِيرَةً، قَدِ اعْتَمَرَ ثَلَاثَ عُمَرٍ سِوَى عُمْرَةِ حَجَّتِهِ، وَحَجَّ حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَمَعَهُ أُلُوفٌ مُؤَلَّفَةٌ، وَغَزَا أَكْثَرَ مِن عِشْرِينَ


(١) هكذا في الأصل! ولعل الصواب: (إذا).
(٢) قال هذه الفتوى جوابًا لأهل البحرين له، ومما جاء فيه: هُنَالِكَ مَسْجِدٌ مَبْنِي بِمَدَرٍ وَحَوْلَهُ أَقْوَامٌ كَثِيرُونَ مُقِيمُونَ مُسْتَوْطِنُونَ لَا يَظْعَنُونَ عَنِ الْمَكَانِ شِتَاءً وَلَا صَيْفًا إلَّا أَنْ يُخْرِجَهُم أحَدٌ بِقَهْرٍ، بَل هُم وَآبَاؤُهُم وَأَجْدَادُهُم مُسْتَوْطِنُونَ بِهَذَا الْمَكَانِ كَاسْتِيطَانِ سَائِر أَهْلِ الْقُرَى، لَكِنَّ بُيُوتَهُم لَيْسَتْ مَبْنِيَّةً بِمَدَرٍ، إنَّمَا هِيَ مَبْنيَّةٌ بِجَرِيدِ النَّخْلِ وَنَحْوِهِ. فأجابهم بأَنَّ مِثْل هَذِهِ الصُّورَةِ تُقَامُ فِيهَا الْجُمُعَةُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>