الرِّبْحِ: إمَّا ثُلُثُ الرّبْحِ وَإمَّا نِصْفُهُ، وَلَمْ تَجِبْ أُجْرَةُ الْمِثْل لِلْعَامِلِ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ.
وَالْقَوْلُ بِجَوَازِ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ: قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ.
وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ أَحَلُّ مِنَ الْإِجَارَةِ بِثَمَنٍ مُسَمَّى؛ لأنَّهَا أَقْرَبُ إلَى الْعَدْلِ وَأَبْعَدُ عَنِ الْخَطَرِ .. فَإِنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي الْمَغْنَمِ وَفِي الْحِرْمَانِ كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ، فَإِنْ حَصَلَ شَيْءٌ اشْتَرَكَا فِيهِ وَإِن لَمْ يَحْصُلْ شَيْءٌ اشْتَرَكَا فِي الْحِرْمَانِ، وَكَانَ ذَهَابُ نَفْعِ مَالِ هَذَا فِي مُقَابَلَةِ ذَهَابِ نَفْعِ بَدَنِ هَذَا.
وَلهَذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُشْتَرَطَ لِأَحَدِهِمَا شَيْءٌ مُقَدَّرٌ مِنَ النَّمَاءِ لَا فِي الْمُضَارَبَةِ وَلَا فِي الْمُسَاقَاةِ وَلَا فِي الْمُزَارَعَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْعَدْلِ، إذ قَد يَحْصُلُ لِأَحَدِهِمَا شَيْءٌ وَالْآخَرُ لَا يَحْصُلُ لَهُ شَيْءٌ.
وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي رُوِيَ فِيهَا "أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْمُخَابَرَةِ" أَو "عَن كِرَاءِ الْأَرْضِ" أَو "عَنِ الْمُزَارَعَةِ"؛ كَحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ قَد جَاءَ مُفَسَّرًا بِأَنَّهُم كَانُوا يَعْمَلُونَ عَلَيْهَا بِزَرْعِ بُقْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنَ الْأَرْضِ لِلْمَالِك.
فَأَمَّا الْمُزَارَعَةُ فَجَائِزَةٌ بِلَا ريبٍ سَوَاءٌ كَانَ الْبَذْرُ مِنَ الْمَالِكِ أَو الْعَامِلِ أَو مِنْهُمَا، وَسَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ أَو الْمُزَارَعَةِ أَو غَيْرِ ذَلِكَ، هَذَا أَصَحُّ الْأَقْوَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ مِن هَذَا الْجِنْسِ مِثْلُ أَنْ يَدْفَعَ دَابَّتَهُ أَو سَفِينَتَهُ إلَى مَن يَكْتَسِبُ عَلَيْهَا وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا، أَو مَن يَدْفَعُ مَاشِيَتَهُ أَو نَخْلَهُ لِمَن يَقُومُ عَلَيْهَا وَالصُّوفُ وَاللَّبَنُ وَالْوَلَدُ وَالْعَسَلُ بَيْنَهُمَا.
فَإِذَا عُرِفَ هَذَانِ الْقَوْلَانِ فِي الْمُزَارَعَةِ فَمَن قَالَ مِنَ الْعُلَمَاءِ: إنَّ الْمُزَارَعَةَ بَاطِلَةٌ قَالَ: الزَّرْعُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْهُ، أَو لِلْعَامِلِ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute