وَاللهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَن خَصَائِصِ الْمَخْلُوقِينَ، وَمَلْزُومَاتِ خَصَائِصِهِمْ.
وَهَذَا الْمَوْضِعُ مَن فَهِمَهُ فَهْفا جَيِّدًا وَتَدَبَّرَهُ: زَالَتْ عَنْهُ عَامَّة الشُّبُهَاتِ، وَانْكَشَفَ لَهُ غَلَطُ كَثِيرٍ مِن الْأَذْكِيَاءِ فِي هَذَا الْمَقَامَ.
وَأَمَّا فِي طُرُقِ الْإِثْبَاتِ: فَمَعْلُومٌ -أَيْضًا- أَنَّ الْمُثْبَتَ لَا يَكْفِي فِي إثْبَاتِهِ مُجَرَّدُ نَفْيِ التَّشْبِيهِ؛ إذ لَو كَفَى فِي إثْبَاتِهِ مُجَرَّدُ نَفْيِ التَّشْبِيهِ لَجَازَ أَنْ يُوصَفَ سُبْحَانَهُ مِن الْأَعْضَاءِ وَالْأَفْعَالِ بِمَا لَا يَكَادُ يُحْصَى مِمَّا هُوَ مُمْتَنِعٌ عَلَيْهِ مَعَ نَفْيِ التَّشْبِيهِ، وَأَنْ يُوصَفَ بِالنَّقَائِصِ الَّتِي لَا تَجُوزُ عَلَيْهِ مَعَ نَفْيِ التَّشْبِيهِ، كَمَا لَو وَصَفَهُ مُفْتَرٍ عَلَيْهِ بِالْبُكَاءِ وَالْحُزْنِ وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ مَعَ نَفْي التَّشْبِيهِ.
وَبِالْجُمْلَةِ: فَالسَّمْعُ قَد أَثْبَتَ لَهُ مِن الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِ الْكَمَالِ مَا قَد وَرَدَ، فَكُلُّ مَا ضَادَّ ذَلِكَ فَالسَّمْعُ يَنْفِيه، كَمَا يَنْفِي عَنْهُ الْمِثْل وَالْكُفُؤَ؛ فَإِنَّ إثْبَاتَ الشَّيْءِ نَفْيٌ لِضِدِّهِ وَلمَا يَسْتَلْزِمُ ضِدَّهُ.
وَالْعَقْلُ يَعْرِفُ نَفْيَ ذَلِكَ، كَمَا يَعْرِفُ إثْبَاتَ ضِدِّهِ، فَإِثْبَات أَحَدِ الضِّدَّيْنِ نَفْيٌ لِلْآخَرِ وَلمَا يَسْتَلْزِمُهُ.
فَطُرُقُ الْعِلْمِ بِنَفْيِ مَا يُنَزَّهُ عَنْهُ الرَّبُّ مُتَّسِعَةٌ، لَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى مُجَرَّدِ نَفْيِ التَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ، كَمَا فَعَلَهُ أَهْلُ الْقُصُورِ وَالتَّقْصِيرِ الَّذِينَ تَنَاقَضُوا فِي ذَلِكَ، وَفَرَّفوا بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ، حَتَّى أَنَّ كُلَّ مَن أَثْبَتَ شَيْئًا احْتَجَّ عَلَيْهِ مَن نَفَاهُ بِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ التَّشْبِيهَ.
وَقَد تَقَدَّمَ أَنَّ مَا يُنْفَى عَنْهُ -سُبْحَانَهُ-: النَّفْيُ الْمُتَضَمِّنُ لِلْإِثْبَاتِ؛ إذ مُجَرَّدُ النَّفْيِ لَا مَدْحَ فِيهِ وَلَا كَمَالَ، فَإِنَّ الْمَعْدُومَ يُوصَفُ بِالنَّفْيِ، وَالْمَعْدُومُ لَا يُشْبِهُ الْمَوْجُودَاتِ، وَلَيْسَ هَذَا مَدْحًا لَهُ؛ لِأَنَّ مُشَابَهَةَ النَّاقِصِ فِي صِفَاتِ النَّقْصِ نَقْصٌ مُطْلَقًا، كَمَا أَنَّ مُمَاثَلَةَ الْمَخْلُوقِ فِي شَيءٍ مِن الصِّفَاتِ تَمْثِيلٌ وَتَشْبِيهٌ يُنَزَّهُ عَنْهُ الرَّبُّ تبَارَكَ وَتَعَالَى، وَالنَّقْصُ ضِدُّ الْكَمَالِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute