وَفِي السُّنَنِ عَن ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ الْمَاعُونَ عَارِيةَ الدَّلْوِ وَالْقِدْرِ وَالْفَأْسِ.
٣٤٩٥ - مَا احْتَاجَ إلَيْهِ النَّاسُ حَاجَةً عَامَّةً فَالْحَقُّ فِيهِ للهِ؛ وَلهَذَا يَجْعَلُ الْعُلَمَاءُ هَذِهِ حُقُوقًا للهِ تَعَالَى، وَحُدُودًا للهِ، بِخِلَافِ حُقُوقِ الْآدَمِيّينَ وَحُدُودِهِمْ، وَذَلِكَ مِثْلُ حُقُوقِ الْمَسَاجِدِ، وَمَالِ الْفَيْءِ، وَالصَّدَقَاتِ، وَالْوَقْفِ عَلَى أَهْلِ الْحَاجَاتِ، وَالْمَنَافِعِ الْعَامَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمِثْل حَدِّ الْمُحَارَبَةِ وَالسَّرِقَةِ وَالزنى وَشُرْبِ الْخَمْرِ؛ فَإِنَّ الَّذِي يَقْتُلُ شَخْصًا لِأَجْلِ الْمَالِ يُقْتَلُ حَتْمًا بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، وَلَيْسَ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ الْعَفُوُّ عَنْة، بِخِلَافِ مَن يَقْتُلُ شَخْصًا لِغَرَضٍ خَاصٍّ؛ مِثْل خصُومَةٍ بَيْنَهُمَا؛ فَإِنَّ هَذَا حَقٌّ لِأَوْليَاءِ الْمَقْتُول، إنْ أَحَبُّوا قَتَلُوا، وَإِن أَحَبُّوا عَفَوْا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ.
وَحَاجَةُ الْمُسْلِمِينَ إلَى الطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِن مَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ: لَيْسَ الْحَقُّ فِيهَا لِوَاحِدٍ بِعَيْنِهِ.
٣٤٩٦ - نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَن تَلَقِّي الْجَلَبِ، وَجعَلَ لِلْبَائِعِ إذَا هَبَطَ إلَى السُّوقِ الْخِيَارُ؛ وَلهَذَا كَانَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ نَهَى عَن ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِن ضَرَرِ الْبَائِعِ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْل وَغَبْنِهِ، فَأَثْبَتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْخِيَارَ لِهَذَا الْبَائِعِ.
وَهَل هَذَا الْخِيَارُ فِيهِ ثَابِتٌ مطْلَقًا أَو إذَا غُبنَ؟ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَن أَحْمَد، أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ إذَا غُبنَ.
وَفِي الْجُمْلَةِ: فَقَد نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَن الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ الَّذِي جِنْسُهُ حَلَالٌ حَتَّى يَعْلَمَ الْبَائِعُ بِالسَّعْرِ وَهُوَ ثَمَنُ الْمِثْلِ، وَيَعْلَمُ الْمُشْتَرِي بِالسِّلْعَةِ.
وَصَاحِبُ الْقِيَاسِ الْفَاسِدِ يَقُولُ: لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَشْتَرِيَ حَيْثُ شَاءَ، وَقَد اشْتَرَى مِن الْبَائِعِ، كَمَا يَقُولُ: وَلِلْبَادِي أَنْ يُوَكِّلَ الْحَاضِرَ.
وَلَكِنَّ الشَّارعَ رَاعَى الْمَصْلَحَةَ الْعَامَّةَ؛ فَإِنَّ الْجَالِبَ إذَا لَمْ يَعْرِف السِّعْرَ كَانَ جَاهِلًا بِثَمَنِ الْمِثْلِ، فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي غَارًّا لَهُ؛ وَلِهَذَا أَلْحَقَ مَالِكٌ وَأَحْمَد
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute