(٢) قال في اقتضاء الصراط المستقيم (ص ٤٥ - ٤٦): لأن "النبي -صلى الله عليه وسلم-، لعن عاصر الخمر ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه". فالعاصر والحامل قد عاوضا على منفعة تستحق عوضًا، وهي ليست محرمة في نفسها، وإنما حرمت لقصد المعتصر والمستحمل، فهو كما لو باع عنبًا أو عصيرًا لمن يتخذه خمرًا، وفات العصير والخمر في يد المشتري، فإن مال البائع لا يذهب مجانًا، بل يُقضى له بعوضه. كذلك هنا: المنفعة التي وفاها المؤجر لا تذهب مجانًا، بل يُعطى بدلها، فإن تحريم الانتفاع بها إنما كان من جهة المستأجر، لا من جهته. ثم نحن نحرم الأجرة عليه لحق الله سبحانه، لا لحق المستأجر والمشتري، بخلاف من استؤجر للزنى أو التلوط، أو القتل أو الغصب، أو السرقة، فإن نفس هذا العمل محرم، لا لأجل قصد المشتري، فهو كما لو باعه ميتة أو خمرًا، فإنه لا يُقضى له بثمنها؛ لأن نفس هذه العين محرمة. ومثل هذه الإجارة والجعالة لا تُوصف بالصحة مطلقًا، ولا بالفساد مطلقًا، بل يقال: هي صحيحة بالنسبة إلى المستأجر، بمعنى: أنه يجب عليه مال الجُعل والأجرة، وهي فاسدة بالنسبة إلى الأجير، بمعنى أنه يحرم عليه الانتفاع بالأجرة والجعل، ولهذا في الشريعة نظائر. وعلى هذا؛ فنص أحمد على كراهة نظارة كرم النصراني لا ينافي هذا، فإنا ننهاه عن هذا الفعل وعن ثمنه، ثم نقضي له بكرائه، ولو لم نفعل هذا لكان في هذا منفعةٌ عظيمة للعصاة، فإنَّ كل من استأجروه على عمل يستعينون به على المعصية قد حصلوا غرضهم منه، ثم لا يعطونه شيئًا، وما هم بأهل أن يُعاونوا على ذلك. بخلاف من سلم إليهم عملًا لا قيمة له بحال. نعم؛ البغيّ والمغني والنائحة ونحوهم، إذا أُعطوا أجورهم ثم تابوا: هل يتصدقون بها، أو يجب أن يردوها على من أعطاهموها؟ فيها قولان - أصحهما: أنا لا نردها على الفساق =