للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالِاعْتِيَاضُ عَنْهُ يَجُوزُ كَمَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ، لَكِنْ إنَّمَا يَكُونُ إقَالَةً إذَا أَخَذَ رَأْسَ مَالِهِ أَو مِثْلَهُ وَإِن كَانَ مَعَ زَيادَةٍ.

أَمَّا إذَا بَاعَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ (١): فَلَيْسَ إقَالَةً؛ بَل هُوَ اسْتِيفَاءٌ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ لِمَا لَمْ يُقْبَضْ.

وَأَحْمَد جَوَّزَ بَيْعَ دَيْنِ السَّلَمِ مِن الْمُسْتَسْلِفِ؛ اتِّبَاعًا لِابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: "نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَن بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ" وَلَا أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ.

فَابْنُ عَبَّاسٍ لَا يُجَوِّزُ الْبَيْعَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَجَوَّزَ بَيْعَ دَيْنِ السَّلَمِ مِمَن هُوَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَرْبَحْ، وَلَمْ يُفَرِّق ابْنُ عَبَّاسٍ بَيْنَ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ، وَلَا بَيْنَ الْمَكِيل وَالْمَوْزُونِ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ هُنَا مِن الْبَائِعِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي يَقْبِضهُ مِن نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، بَل لَيْسَ هُنَا قَبْضٌ، لَكِنْ يُسْقِطُ عَنْهُ مَا فِي ذِمَّتِهِ، فَلَا فَائِدَةَ فِىِ أَخْذِهِ مِنْهُ ثُمَّ إعَادَتُهُ إلَيْهِ، وَهَذَا مِن فِقْهِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَأَمَّا احْتِجَاجُ مَن مَنَعَ بَيْعَ دَينِ السَّلَمِ بِقَولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَن أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَصْرِفْهُ إلَى غَيْرِهِ" (٢) فَعَنْهُ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ.

وَالثَّانِي: الْمُرَادُ بِهِ أَنْ لَا يَجْعَلَ السَّلَفَ سَلَمًا فِي شَيْءٍ آخَرَ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ النَّهْيَ عَن بَيْعِهِ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ إلَى أَجَلٍ، وَهُوَ مِن جِنْسِ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَلهَذَا قَالَ: "لَا يَصْرِفْهُ إلَى غَيْرِهِ"؛ أَيْ: لَا يَصْرِف الْمُسْلَمَ فِيهِ إلَى مُسْلَمٍ فِيهِ آخَرَ، وَمَن اعْتَاضَ عَنْهُ بِغَيْرِهِ قَابِضًا لِلْعِوَضِ لَمْ يَكُن قَد جَعَلَهُ سَلَمًا فِي غَيْرِهِ.

لَكِنَّ الرُّخْصَةَ فِي هَذَا الْبَابِ ثَابِتَةٌ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ (٣). [٥٠٣ - ٥١٧]


(١) أي: بغير رأس ماله، كأن يكون رأس ماله دراهم، فيعتاض عنها بتمر.
(٢) رواه أبو داود (٣٤٦٨).
(٣) فائدة: فإن قال قائل: إذًا هل يجوز بيع المسلم فيه قبل قبضه؟

<<  <  ج: ص:  >  >>