وكذلك كل من المتبايعين لسلعة، فإن كلًّا يرجو أن يربح فيها ويخاف أن يخسر.
فمثل هذه المخاطرة جائزة بالكتاب والسُّنَّة والإجماع.
والتاجر مخاطر، وكذلك الأجير المجعولُ له جُعْل على ردِّ آبق، وعلى بناء حائط؛ فإنه قد يحتاج إلى بذل مال فيكون مترددًا بين أن يغرم أو يغنم، ومع هذا فهو جائز.
والمخاطرة إذا كانت من الجانبين كانت أقرب إلى العدل والإنصاف، مثل المضاربة، والمساقاة، والمزارعة؛ فإن أحدهما مخاطر قد يحصل له ربح وقد لا يحصل.
وما علمت أحدًا من الصحابة شرط في السباق محللًا ولا حرمه إذا كان كل منهما يخرج، وإنما علمت المنع في ذلك عن بعض التابعين، وقد روينا عن أبي عبيدة بن الجراح: أنه راهن رجلان في سباق الخيل ولم يكن بينهما محلل.
وثبت في "المسند" والترمذي وغيرهما (١): "أنه لما اقتتلت فارس والروم فغلبت فارس الروم وبلغ ذلك أهل مكة وكان ذلك في أول الإسلام ففرح بذلك المشركون؛ لأن المجوس أقرب إليهم من أهل الكتاب، وساء ذلك المسلمين لأن أهل الكتاب أقرب إليهم من المجوس، فاخبر أبو بكر بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله تعالى: {الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} [الروم: ١ - ٤] فخرج أبو بكر -رضي الله عنه- فراهن المشركين على أنه إن غلبت الروم في بضع سنين أخذ الرهان، وإن لم تغلب الروم أخذوا الرهان".