وهذه المراهنة هي مثل المراهنة في سباق الخيل والرمي بالنشاب، وكانت جائزةً لأنها مصلحةٌ للإسلام؛ لأن فيها مصلحةُ بيانِ صدقِ الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيما أخبر به مِن أنَّ الروم سيغلبون بعد ذلك، وفيها ظهورُ أقربِ الطائفتين إلى المسلمين على أبعدهما.
وهذا فعَلَه الصديق -رضي الله عنه- وأقرَّه عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم ينكره عليه، ولا قال: هذا ميسر وقمار.
والصديق أجل قدرًا من أن يقامر؛ فإنه لم يشرب الخمر في جاهلية ولا إسلام وهي أشهى إلى النفوس من القمار.
وقد ظنَّ بعضهم أن هذا قمار، لكن فِعْلُه هذا كان قبل تحريم القمار، وهذا إنما يُقبل إذا ثبت أن مثل هذا ثابت فيما حرمه الله من الميسر، وليس عليه دليل شرعي أصلًا.
بل هي مجرد أقوالٍ لا دليل عليها، وأقيسةٍ فاسدة يظهر تناقضها لمن كان خبيرًا بالشرع، وحِلُّ ذلك ثابت بسُنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث أقر صديقه على ذلك؛ فهذا العمل معدود من فضائل الصديق -رضي الله عنه- وكمال يقينه، حيث أيقن بما قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأحب ظهور أقرب الطائفتين إلى الحق، وراهن على ذلك رغبة في إعلاء كلمة الله ودينه بحسب الإمكان.
وبالجملة: إذا ثبتت الإباحة فمدعي النسخ يحتاج إلى دليل.
والسَّبق: بالفتح هو العوض، وبالسكون هو الفعل.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر"(١) مطلقًا لم يشترط محللًا لا هو ولا أصحابه؛ بل ثبت عنهم مثل ذلك بلا محلل.