للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالتَّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ: أَنَّهُمَا إذَا اشْتَمَلَا عَلَى عِوَضٍ أَو خَلَوَا عَن عِوَضٍ: فَالشِّطْرَنْجُ شَرٌّ مِن النَّرْدِ؛ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ النَّرْدِ فِيهَا وَزِيَادَةً؛ مِثْل صَدِّ الْقَلْبِ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَن الصَّلَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَاشْتِغَالُ الْقَلْب بِالتَّفْكِيرِ فِي الشِّطْرَنْجِ أَكْثَرُ.

وَأَمَّا إذَا اشْتَمَلَ النَّرْدُ عَلَى عِوَضٍ فَالنَّرْدُ شَرٌّ. وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي كَوْنِ أَحْمَد وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا جَعَلُوا النَّرْدَ شَرًّا لِاسْتِشْعَارِهِمْ أَنَّ الْعِوَضَ يَكُونُ فِي النَّرْدِ دُونَ الشِّطْرَنْجِ (١).

فَالشِّطْرَنْج إنْ لَمْ يَكُن مِثْلَهَا فَلَيْسَ دُونَهَا، وَهَذَا يَعْرِفُهُ مَن خَبَرَ حَقِيقَةَ اللَّعِبِ بِهَا؛ فَإِنَّ مَا فِي النَّرْدِ مِن الصَّدِّ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَن الصَّلَاةِ، وَمِن إيقَاعِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ: هُوَ فِي الشِّطْرَنْجِ أَكْثَرُ بِلَا ريبٍ، وَهِيَ تَفْعَلُ فِي النُّفُوسِ فِعْلَ حُمَيَّا الْكُؤُوسِ، فَتَصُدُّ عُقُولَهُم وَقُلُوبَهُم عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَن الصَّلَاةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَفْعَلُهُ بِهِم كَثِيرٌ مِن أَنْوَاعِ الْخُمُورِ وَالْحَشِيشَةِ.

وَقَلِيلُهَا يَدْعُو إلَى كَثِيرِهَا، فَتَحْرِيمُ النَّرْدِ الْخَالِيَةِ عَن عِوَضٍ مَعَ إبَاحَةِ الشِّطْرَنْجِ مِثْلُ تَحْرِيمِ الْقَطْرَةِ مِن خَمْرِ الْعِنَبِ وَإِبَاحَةِ الْغَرْفَةِ مِن نَبِيذِ الْحِنْطَةِ.

وَلَو كَانَ النَّهْيُ عَن النَّرْدِ وَنَحْوِهِ لِمُجَرَّدِ الْمُقَامَرَةِ: لَكَانَ النَّرْدُ مِثْل سِبَاقِ الْخَيْلِ، وَمِثْل الرَّمْيِ بِالنِّشَابِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الْمُقَامَرَةَ إذَا دَخَلَتْ فِي هَذَا حَرَّمُوهُ، مَعَ أَنَّهُ عَمَلٌ صَالِحٌ وَاجِبٌ أَو مُسْتَحَبٌّ، كَمَا فِي "الصَّحِيحِ" (٢) عَن


= وفي هذا الزمان ما هو أشد منها تضييعًا للوقت وإشغالًا للقلوب منها، وقد تسبب ضياع الأموال، والإصابات، والفُرقة والعداوة، وهي لعب الكرة، ومع ذلك فقد أفتى علماؤنا بجوازها إذا لم تشتمل على محذور.
(١) لا يلزم ذلك، بل قد يكون لثبوت النص في النرد دون الشطرنج، ومن المعلوم أن الإمام أحمد والشافعي يقفون عند النصوص، ولا يحرمون إلا ما قام الدليل عليه.
وقد يكون كذلك لاشتمال النرد على التخمين بخلاف الشطرنج كما تقدم، والله أعلم.
(٢) لمِ أجده فى الصحيح بهذا اللفظ؛ ولكن عند مسلم (١٩١٩)، بلفظ: "مَن عَلِمَ الرَّمْيَ ثُمَّ تَرَكَهُ فَليْسَ مِنَّا" أَو "قَد عَصَى".

<<  <  ج: ص:  >  >>