للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "ارْمُوا وَارْكَبُوا وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إلَيَّ مِن أَنْ تَرْكَبُوا" (١).

فَهَذَا الْمَيْسِرُ الْمَقْرُون بِالْخَمْرِ إذَا قُدِّرَ أَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِهِ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ (٢)، وَمَا فِي ذَلِكَ مِن حُصُولِ الْمَفْسَدَةِ وَتَرْكِ الْمَنْفَعَةِ، وَمن الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذِهِ الْمَلَاعِبَ تَشْتَهِيهَا النُّفُوسُ، وَإِذَا قَوِيَت الرَّغْبَةُ فِيهَا أُدْخِلَ فِيهَا الْعِوَضُ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، وَكَانَ مِن حِكمِ الشَّارعِ أَنْ يَنْهَى عَمَّا يَدْعُو إلَى ذَلِكَ لَو لَمْ يَكُن فِيهِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُغَالَبَاتُ الَّتِي قَد تَنْفَعُ؛ مِثْل الْمُسَابَقَةِ وَالْمُصَارَعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ تِلْكَ فِيهَا مَنْفَعَة رَاجِحَةٌ لِتَقْوِيَةِ الْأَبْدَانِ فَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا لِأَجْلِ ذَلِكَ، وَلَمْ تَجْرِ عَادَةُ النُّفُوسِ بِالِاكْتِسَابِ بِهَا.

وَهَذَا الْمَعْنَى نَبَّهَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِقَوْلِهِ: "مَن لَعِبَ بالنردشير فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ" (٣)؛ فَإِنَّ الْغَامِسَ يَدَهُ فِي ذَلِكَ يَدْعُوهُ إلَى أَكْلِ الْخِنْزِيرِ، وَذَلِكَ مُقَدِّمَةُ أَكْلِهِ وَسَبَبُهُ وَدَاعِيَتُهُ، فَإِذَا حُرِّمَ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ اللَّعِبُ الَّذِي هُوَ مُقَدِّمَةُ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَسَبَبُهُ وَدَاعِيَتُهُ.

وَبِهَذَا يَتبيَّنُ مَا ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ مِن أَنَّ الْمُغَالَبَاتِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:

أ- فَمَا كَانَ مُعِينًا عَلَى مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: ٦٠] جَازَ بِجُعْلٍ وَبِغَيْرِ جُعْلٍ.

ب- وَمَا كَانَ مُفْضِيًا إلَى مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ كَالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ: فَمَنْهِيٌّ عَنْهُ بِجُعْلٍ وَبِغَيْرِ جُعْلٍ.

ج- وَمَا قَد يَكُونُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ بِلَا مَضَرَّةٍ رَاجِحَةٍ كَالْمُسَابَقَةِ وَالْمُصَارَعَةِ: جَازَ بِلَا جُعْلٍ.


(١) رواه أبو داود (٢٥١٣)، والترمذي (١٦٣٧)، والنسائي (٣٥٧٨)، والدارمي (٢٤٤٩)، وأحمد (١٧٣٠٠).
(٢) أي: على القول بأن النرد حرمت لأن فيها بذل المال من الطرفين، وهو الميسر.
(٣) رواه مسلم (٢٢٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>