للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كَفَّارَةَ يَمِينٍ؛ لِمَا ثَبَتَ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-فِي "الصَّحِيحِ" (١) أَنَّهُ قَالَ: "كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينٍ".

وَأَمَّا إذَا عَجَزَ عَن فِعْلِ الْمَنْذُورِ، أَو كَانَ عَلَيْهِ فِيهِ مَشَقَّةٌ: فَهُنَا يُكَفِّرُ وَيَأْتِي بِبَدَلٍ عَن الْمَنْذُورِ، كَمَا فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ أُخْتَهُ لَمَّا نَذَرْت أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَة قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ اللهَ لَغَنِي عَن تَعْذِيبِ أُخْتِك نَفْسَهَا مُرْهَا فَلْتَرْكَبْ وَلْتُهْدِ -وَرُوِيَ: وَلْتَصُمْ-" (٢).

فَهَذَا الرَّجُلُ (٣) الَّذِي عَقَدَ مَعَ اللهِ تَعَالَى صَوْمَ نِصفِ الدَّهْرِ وَقَد أَضَرَّ ذَلِكَ بِعَقْلِهِ وَبَدَنِهِ عَلَيْهِ أَنْ يُفْطِرَ وَيَتَنَاوَلَ مَا يُصْلِحُ عَقْلَهُ وَبَدَنَهُ، ويُكَفرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ، وَيَكونُ فِطْرُهُ قَدْرَ مَا يَصْلُحُ بِهِ عَقْلُهُ وَبَدَنُهُ عَلَى حَسَبِ مَا يَحْتَمِلُهُ حَالُهُ: إمَّا أَنْ يُفْطِرَ ثُلْثَي الدَّهْرِ، أَو ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ أَو جَمِيعَهُ.

فَإِذَا أَصْلَحَ حَالَهُ: فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْعَوْدُ إلَى صَوْمِ يَوْم وَفِطْرِ يَوْمٍ بِلَا مَضَرَّةٍ وَإِلَّا صَامَ مَا يَنْفَعُهُ مِن الصَّوْمِ، وَلَا يَشْغَلُة عَمَّا هُوَ أَحَبُّ إلى اللهِ مِنْهُ، فَاللهُ لَا يُحِبُّ أَنْ يُتْرَكَ الْأَحَبّ إلَيْهِ بِفِعْلِ مَا هُوَ دُونَهُ، فَكَيْفَ يُوجبُ ذَلِكَ؟

وَأَمَّا النُّورُ الَّذِي وَجَدَهُ بِهَذَا الصَّوْمِ: فَمَعْلُومٌ أَنَّ جِنْسَ الْعِبَادَاتِ لَيْسَ شَرًّا مَحْضًا؛ بَل الْعِبَادَاتُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا تَشْتَمِلُ عَلَى مَنْفَعَةٍ وَمَضَرَّةٍ، وَلَكِنْ لَمَّا تَرَجَّحَ ضَرَرُهَا عَلَى نَفْعِهَا نَهَى عَنْهَا الشَّارعُ، كَمَا نَهَى عَن صِيَام الدَّهْرِ، وَقِيَامِ اللَّيْلِ كُلِّهِ دَائِمًا، وَعَن الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ، مَعَ أنَّ خَلْقًا يَجِدُونَ فِي


(١) مسلم (١٦٤٥).
(٢) صحَّحه الألباني في صحيح الجامع (٥٨٦٢).
(٣) الذي سئل الشيخ عن حكم كثرة عباداته من صيام وقيام حتى أثرَ مَجْمُوعُ ذَلِكَ خَللًا فِي ذهْنهِ مِن ذُهُولٍ وَصُدَاعٍ يَلْحَقُهُ فِي رَأَسِهِ وَبَلَادَةٍ فِي فَهْمِهِ، بِحَيْثُ أَنَّهُ لَا يُحِيط بِمَعْنَى الْكَلَامِ إذَا سَمِعَهُ، وَظَهَرَ أَثَرُ الْيُبْسِ فِي عَيْنَيْهِ حَتَّى كَادَتَا أَنْ تَغُورًا، وَقَد وَجَدَ فِي هَذَا الِاجْتِهَادِ شَيْئًا مِن الْأنْوَارِ، وَهُوَ لَا يَتْرُكُ هَذَا الصِّيَامَ لِعَقْدِهِ الَّذِي عَقَدَهُ مَعَ اللهِ تَعَالَى لِخَوْفِهِ أنْ يَذْهَبَ النُّورُ الَّذِي عِنْدَهُ، فَإِذَا نَهَاهُ أحَدٌ مِن أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ يَتَعَلَّل وَيقُولُ: أَنَا أُرِيدُ أَنْ أقْتُلَ نَفْسِي فِي اللهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>