للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْمُوَاصَلَةِ الدَّائِمَةِ نُورًا بِسَبَبِ كَثْرَةِ الْجُوعِ، وَذَلِكَ مِن جِنْسِ مَا يَجِدُهُ الْكُفَّارُ مِن أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْأُمِّيِّينَ مِثْلُ الرُّهْبَانِ وَعُبَّادِ الْقُبُورِ.

كَمَا قَد رَأَيْنَا مِن هَؤُلَاءِ خَلْقًا كَثِيرًا آلَ بِهِم الْإِفْرَاطُ فِيمَا يُعَانُونَهُ مِن شَدَائِدِ الْأَعْمَالِ إلَى التَّفْرِيطِ وَالتَّثْبِيطِ وَالْمَلَلِ وَالْبَطَالَةِ، وَرُبَّمَا انْقَطَعُوا عَن اللهِ بالْكُلِّيَّةِ، أَو بِالْأَعْمَالِ الْمَرْجُوحَةِ عَن الرَّاجِحَةِ، أَو بِذَهَابِ الْعَقْلِ بِالْكُلِّيَّةِ، أَو بِحُصُولِ خَلَلٍ فِيهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ أَصْلَ أَعْمَالِهِمْ وَأَسَاسَهَا عَلَى غَيْرِ اسْتِقَامَةٍ وَمُتَابَعَةٍ (١).

وَأَمَّا قَوْلُهُ: أُرِيدُ أَنْ أَقْتُلَ نَفْسِي فِي اللهِ: فَهَذَا كَلَامٌ مُجْمَلٌ، فَإِنَّهُ إذَا فَعَلَ مَا أَمَرَهُ اللهُ بِهِ فَأفْضَى ذَلِكَ إلَى قَتْلِ نَفْسِهِ فَهَذَا مُحْسِنٌ فِي ذَلِكَ؛ كَاَلَّذِي يَحْمِلُ عَلَى الصَّفِّ وَحْدَهُ حَمْلًا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَقَد اعْتَقَدَ أَنَّهُ يُقْتَلُ فَهَذَا حَسَنٌ (٢)، وَفِي مِثْلِهِ أَنْزَلَ الله قَوْلَهُ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (٢٠٧)} [البقرة: ٢٠٧].

وَأَمَّا إذَا فَعَلَ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ حَتَّى أَهْلَكَ نَفْسَهُ: فَهَذَا ظَالِمٌ مُتَعَدّ بِذَلِكَ.

وَقَتْلُ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ حَرَامٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي "الصّحَاحِ" أَنَّهُ قَالَ: "مَن قتلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (٣).

وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ: أَنَّ اللهَ لَيْس رِضَاهُ أَو مَحَبَّتُهُ فِي مُجَرَّدِ عَذَابِ


(١) فلا يُمكن أن ينتكس أحد عن الدين والاستقامة وهو مستقيم ومتابع للشرع ظاهرًا وباطنًا، بل لا بد أن يكون عنده خلل في ذلك وخاصةً الباطن، من حب الشهرة، أو العجب، أو ازدراء الآخرين ونحو ذلك.
(٢) استدل بهذا من يُجيز قتل نفسه ويقتل معها الكثير من الأعداء والكفار المحاربين، ويُسمون ذلك: بالعمليات الاستشهاديّة، وفيه نظر، فالذي انغمس في العدو لم يقتل نفسه بنفسِه، بل قتله الكفار، وأما من يقوم بهذه العمليات فهو يُباشر قتل نفسِه، ولذلك حرمها أعلام هذا العصر: الألباني وابن باز وابن عثيمين رحمهم الله تعالى.
وكلام الشيخ الآتي ينقض فهمهم واسْتدلالهم.
(٣) البخاري (٦٠٤٧)، ومسلم (١١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>