للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْحَاكِمُ أَفْضَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ؛ بَل حُكْمُ الْحَاكِمِ الْعَالِمِ الْعَادِلِ يُلْزِمُ قَوْمًا مُعَيَّنِينَ تَحَاكَمُوا إلَيْهِ فِي قَضِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، لَا يُلْزِمُ جَمِيعَ الْخُلُقِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى عَالِمٍ مِن عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُقَلِّدَ حَاكِمًا لَا فِي قَلِيلٍ وَلَا فِي كَثِيرٍ إذَا كَانَ قَد عَرَفَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ وَرَسُولُهُ؛ بَل لَا يَجِبُ عَلَى آحَادِ الْعَامَّةِ تَقْلِيدُ الْحَاكِمِ فِي شَيْءٍ؛ بَل لَهُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ مَن يَجُوزُ لَهُ اسْتِفْتَاؤُهُ، وَإِن لَمْ يَكن حَاكِمًا.

وَمَتَى تَرَكَ الْعَالِمُ مَا عَلِمَهُ مِن كِتَاب اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَاتَّبَعَ حُكْمَ الْحَاكِمِ الْمُخَالِفِ لِحُكْمِ اللهِ وَرَسُولِهِ كَانَ مُرْتًدًّا كَافِرًا يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قَالَ تَعَالَى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (٣)} [الأعراف: ٣].

وَلَو ضُرِبَ وَحُبسَ وَأُوذِيَ بِأَنْوَاعِ الْأَذَى لِيَدَعَ مَا عَلِمَهُ مِن شَرْعِ اللهِ وَرَسُولِهِ الَّذِي يَجِبُ اتباعُهُ وَاتَّبَعَ حُكْمَ غَيْرِهِ: كَانَ مُسْتَحِقًّا لِعَذَابِ اللهِ؛ بَل عَلَيْهِ أَنْ يَصْبِرَ وَإِن أُوذِيَ فِي اللهِ، فَهَذِهِ سُنَّةُ اللهِ فِي الْأَنْبِيَاءِ وَأَتْبَاعِهِمْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (٣)} [العنكبوت: ١ - ٣].

وَهَذَا إذَا كَانَ الْحَاكِمُ قَد حَكَمَ فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ قَد تَنَازَعَ فِيهَا الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ، فَحُكْمُ الْحَاكِمِ بِقَوْلِ بَعْضِهِمْ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ سُنَّةٌ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تُخَالِفُ مَا حَكَمَ بِهِ: فَعَلَى هَذَا أَنْ يَتَّبعَ مَا عَلِمَ مِن سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَيَأْمُرَ بِذَلِكَ ويُفْتِيَ بِهِ، وَيَدْعُوَ إلَيْهِ وَلَا يُقَلِّدَ الْحَاكِمَ.

هَذَا كُلُّهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ.

وَإِن تَرَكَ الْمُسْلِمُ عَالِمًا كَانَ أَو غَيْرَ عَالِمٍ مَا عَلِمَ مِن أَمْرِ اللهِ وَرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - لِقَوْلِ غَيْرِهِ: كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْعَذَاب قَالَ تَعَالَى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٦٣)} [النور: ٦٣].

وَإِن كَانَ ذَلِكَ الْحَاكِمُ قَد خَفِيَ عَلَيْهِ هَذَا النَّصُّ - مِثْل كَثِيرٍ مِن الصَّحَابَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>