للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَهَذِهِ الرِّسَالَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى آيَتَيْنِ فِي كِتَابِ اللهِ؛ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (٥٨) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٥٩)} [النساء: ٥٨، ٥٩].

قَالَ الْعُلَمَاءُ: نَزَلَت الآيَةُ الْأُولَى فِي وُلَاةِ الْأُمُورِ، عَلَيْهِم أَنْ يُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمُوا بَيْنَ النَّاسِ أَنْ يَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ، وَنَزَلَتْ الثَّانِيَةُ فِي الرَّعِيَّةِ مِن الْجُيُوشِ وَغَيْرِهِمْ، عَلَيْهِم أَنْ يُطِيعُوا أُولي الْأَمْرِ الْفَاعِلِينَ لِذَلِكَ فِي قَسْمِهِمْ وَحُكْمِهِمْ وَمَغَازِيهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَأمُرُوا بِمَعْصِيَةِ اللهِ، فَإِذَا أَمَرُوا بِمَعْصِيَةِ اللهِ فَلَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ، فَإِنْ تَنَازَعُوا فِي شَيءٍ رَدُّوهُ إلَى كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم-.

وَإِذَا كَانَت الآيَةُ قَد أَوْجَبَتْ أَدَاءَ الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا وَالْحُكْمَ بِالْعَدْلِ: فَهَذَانِ جِمَاعُ السِّيَاسَةِ الْعَادِلَةِ وَالْوِلَايَةِ الصَّالِحَةِ.

أَمَّا أَدَاءُ الْأَمَانَاتِ فَفِيهِ نَوْعَانِ:

أَحَدُهُمَا الْوِلَايَاتُ: وَهُوَ كَانَ سَبَبَ نُزُولِ الآيَةِ، فَإِنَّ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ وَتَسَلَّمَ مَفَاتِيحَ الْكَعْبَةِ مِن بَنِي شَيْبَةَ طَلَبَهَا مِنْهُ الْعَبَّاسُ لِيَجْمَعَ لَهُ بَيْنَ سِقَايَةِ الْحَاجِّ وَسِدَانَةِ الْبَيْتِ فَأنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الْآيَةَ فَدَفَعَ مَفَاتِيحَ الْكَعْبَةِ إلَى بَنِي شَيْبَةَ.

فَيَجِبُ عَلَى وَليِّ الْأَمْرِ أَنْ يُوَلّيَ عَلَى كُلِّ عَمَلٍ مِن أَعْمَالِ الْمُسْلِمِينَ أَصْلَحَ مَن يَجِدُهُ لِذَلِكَ الْعَمَلِ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: مَن وَلِيَ مِن أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فَوَلَّى رَجُلًا وَهُوَ يَجِدُ مَن هُوَ أَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْهُ فَقَد خَانَ اللهَ وَرَسُولَهُ".

فَيَجِبُ عَلَى كُلّ مَن وَلِيَ شَيْئًا مِن أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ .. أَنْ يَسْتَعْمِلَ فِيمَا تَحْتَ يَدِهِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أَصْلَحَ مَن يَقْدِرُ عَلَيْهِ. [٢٨/ ٢٤٤ - ٢٤٧]

<<  <  ج: ص:  >  >>