وَشُبْهَة الْخَالِفِ نَظَرُهُ إلَى أَنَّ هَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَجَعَلَ الْمُسْلِمِينَ جِنْسًا وَاحِدًا، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْمُتَأَوِّلِ وَغَيْرِهِ.
وَنَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: مَا أَتْلَفَهُ أَهْلُ الْبَغْيِ الْمُتَأَوِّلُونَ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ مِنَ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ، هَل يَضْمَنُونَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ:
إحْدَاهُمَا: يَضْمَنُونَهُ؛ جَعَلَا لَهُم كَالْمُحَارِبِينَ، وَكَقِتَالِ الْعَصَبِيَّةِ الَّذِي لَا تَأْوِيلَ فِيهِ.
وَهَذَا نَظِيرُ مَن يَجْعَلُ الْعُقُودَ والقبوض الْمُتَأَوَّلَ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَا تَأْوِيلَ فِيهِ.
والثانية: لَا يَضْمَنُونَهُ، وَعَلَى هَذَا اتَّفَقَ السَّلَفُ، كَمَا قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مُتَوَافِرُونَ، فَأَجْمَعُوا أَنَّ كُلَّ دَمٍ أَو مَالٍ أَو فَرْجٍ أُصِيبَ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته فِيمَا تَرَكَهُ الْمُسْلِمُ مِن وَاجِبٍ، أَو فَعَلَهُ مِن مُحَرَّمٍ بِتَأْوِيلِ اجْتِهَادٍ أَو تَقْلِيدٍ: وَاضِحٌ عِنْدِي، وَحَالُهُ فِيهِ أَحْسَنُ مِن حَالِ الْكَافِرِ الْمُتَأَوِّلِ.
وَهَذَا لَا يَمْنَعُ أَنْ أُقَاتِلَ الْبَاغِيَ الْمُتَأَوِّلَ، وَأَجْلِدَ الشَّارِبَ الْمُتَأَوِّلَ، وَنَحْو ذَلِكَ؛ فَإِنَّ التَّأْوِيلَ لَا يَرْفَعُ عُقُوبَةَ الدُّنْيَا مُطْلَقًا، إذ الْغَرَضُ بِالْعُقُوبَةِ دَفْعُ فَسَادِ الِاعْتِدَاءِ، كَمَا لَا يَرْفَعُ عُقُوبَةَ الْكافِرِ.
وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي قَضَاءِ مَا تَرَكَهُ مِن وَاجِبٍ، وَفِي الْعُقُودِ والقبوض الَّتِي فَعَلَهَا بِتَأْوِيلٍ، وَفِي ضَمَانِ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ الَّتِي اسْتَحَلَّهَا بِتَأْوِيلٍ، كَمَا اسْتَحَلَّ أُسَامَةُ قَتْلَ الَّذِي قَتَلَهُ بَعْدَمَا قَالَ: لَا إلهَ إلَّا اللهُ.
وَكَذَلِكَ لَا يُعَاقَبُ عَلَى مَا مَضَى إذَا لَمْ يَكُن فِيهِ زَجْرٌ عَنِ الْمُسْتَقْبِلِ.
وَلَكِنَّ النَّظَرَ فِي فَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَن تَرَكَ الْوَاجِبَ، أَو فَعَلَ الْمحَرَّمَ لَا بِاعْتِقَاد وَلَا بجَهْل يُعْذَرُ فِيهِ، وَلَكِنْ جَهْلًا وَإِعْرَاضًا عَن طَلَبِ الْعِلْمِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ، أَو