للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَحَدُهَا: اعْتِقَادُ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ أنَّه مِن بَابِ التَّرْكِ، فَلَا يَرَوْنَ الْوَرَعَ إلَّا فِي تَرْكِ الْحَرَامِ، لَا فِي أَدَاءِ الْوَاجِبِ، وَهَذَا يُبْتَلَى بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْمُتَدَيِّنَةِ الْمُتَوَزعَةِ، تَرَى أَحَدَهُم يَتَوَرَّعُ عَنِ الْكَلِمَةِ الْكَاذِبَةِ وَعَنِ الدِّرْهَمِ فِيهِ شُبْهَةٌ؛ لِكَوْنِهِ مَن مَالِ ظَالِمٍ أَو مُعَامَلَةٍ فَاسِدَةٍ، وَيتَوَرَّعُ عَن الرُّكُونِ إلَى الظَّلَمَةِ مِن أَجْلِ الْبِدَعِ فِي الدّينِ وَذَوِي الْفُجُورِ فِي الدُّنْيَا، وَمَعَ هَذَا يَتْرُكُ أُمُورًا وَاجِبَةً عَلَيْهِ؛ إمَّا عَيْنًا وَإِمَّا كِفَايَةً وَقَد تَعَيّنتْ عَلَيْهِ، مِن صِلَةِ رَحِمٍ وَحَقِ جَارٍ وَمِسْكينٍ وَصَاحِبٍ وَيتِيمٍ وَابْنِ سَبِيلٍ وَحَقِّ مُسْلِمٍ وَذِي سُلْطَانٍ وَذِي عِلْمٍ وَعَن أَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ وَنَهْيٍ عَن مُنْكَرٍ وَعَنِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ نَفْغ لِلْخَلْقِ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُم مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ، أَو يَفْعَلُ ذَلِكَ لَا عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ للهِ تَعَالَى بَل مِن جِهَةِ التكلِيفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَهَذَا الْوَرَعُ قَد يُوقِعُ صَاحِبَهُ فِي الْبِدَعِ الْكِبَارِ؛ فَإِنَّ وَرَعَ الْخَوَارجِ وَالرَّوَافِضِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ مِن هَذَا الْجِنْسِ، تَوَرَّعُوا عَنِ الظُّلْمِ وَعَن مَا اعْتَقَدُوهُ ظُلْمًا مِن مُخَالَطَةِ الظَّلَمَةِ فِي زَعْمِهِمْ، حَتَّى تَرَكُوا الْوَاجِبَاتِ الْكِبَارَ مِنَ الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَةِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَنَصِيحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَالرَّحْمَةِ لَهُمْ (١).

وَأَهْلُ هَذَا الْوَرَعِ مِمَن أَنْكَرَ عَلَيْهِم الْأَئِمَّةُ كَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَصَارَ حَالُهُم يُذْكَرُ فِي اعْتِقَادِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.

الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ مِنَ الِاعْتِقَادِ الْفَاسِدِ: أَنَّهُ إذَا فَعَلَ الْوَاجِبَ وَالْمُشْتَبِهَ، وَتَرَكَ الْمُحَرَّمَ وَالْمُشْتَبِهَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اعْتِقَادُ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ بِأدِلَّةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَبِالْعِلْمِ لَا بِالْهَوَى.

وَلهَذَا يَحْتَاجُ الْمُتَدَيّنُ الْمُتَوَرِّعُ إلَى عِلْمٍ كَثِيرٍ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَالْفِقْهِ فِي الدِّينِ، وَإِلَّا فَقَدَ يُفْسِدُ تَوَرُّعُهُ الْفَاسدُ أَكْثَرَ مِمَّا يُصْلِحُهُ (٢).


(١) ونحن نرى أن الخوارج هم أبعد الناس عن نصح المسلمين ورحمتهم ومُعاملتهم مُعاملةً حسنة.
(٢) وهذا مُشاهد ملموس، فقد رأينا كثيرًا ممن استقام واهتدى، أو نشأ على ذلك: وعنده ورع =

<<  <  ج: ص:  >  >>