للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الثَّالِثَةُ: جِهَةُ الْمُعَارِضِ الرَّاجِحِ، هَذَا أَصْعَبُ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ؛ فَإِنَّ الشَّيءَ قَد يَكُونُ جِهَةُ فَسَادِهِ يَقْتَضِي تَرْكَهُ فَيَلْحَظُهُ الْمُتَوَرّعُ، وَلَا لَحَظَ مَا يُعَارِضُهُ مِنَ الصَّلَاحِ الرَّاجِحِ، وَبِالْعَكْسِ. [٢٠/ ١٣٩ - ١٤٠]

١٠١٣ - ثَبَتَ أَنَّ الزُّهْدَ الْوَاجِبَ هُوَ تَرْكُ مَا يَنْفَعُ عَنِ الْوَاجِبِ مِن إرَادَةِ اللهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ، وَالزُّهْدَ الْمُسْتَحَبَّ هُوَ مَا يَشْغَلُ عَنِ الْمُسْتَحَبِّ مِن أَعْمَالِ الْمُقَرَّبِينَ وَالصِّدّيقِينَ.

والْمَحْمُودُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إنَمَا هُوَ إرَادَةُ الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَالْمَذْمُومُ إنَّمَا هُوَ مَن تَرَكَ إرَادَةَ الدَّارِ الْآخِرَةِ وَاشْتَغَلَ بِإِرَادَةِ الدُّنْيَا عَنْهَا.

فَأَمَّا مُجَرَّدُ مَدْح تَرْكِ الدُّنْيَا فَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ، وَلَا تَنْظُرْ إلَى كَثْرَةِ ذَمِّ النَّاسِ الدُّنْيَا ذَمًّا غَيْرَ دِينيٍّ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْعَامَّةِ إنَّمَا يَذُمُّونَهَا لِعَدَمِ حُصُولِ أَغْرَاضِهِمْ مِنْهَا، فَإِنَّهَا لَمْ تَصْفُ لِأَحَدٍ قَطُّ وَلَو نَالَ مِنْهَا مَا عَسَاهُ أَنْ يَنَالَ.

فَأَكْثَرُ ذَمِّ النَّاسِ لِلدُّنْيَا لَيْسَ مِن جِهَةِ شَغْلِهَا لَهُم عَنِ الْآخِرَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِن جِهَةِ مَا يَلْحَقُهُم مِنَ الضَّرَرِ فِيهَا، وَهِيَ مَذْمُومَةٌ مِن ذَلِكَ الْوَجْهِ (١). [٢٠/ ١٤٧ - ١٤٩]

١٠١٤ - لَا تَتِمُّ رِعَايَةُ الْخَلْقِ وَسِيَاسَتُهُم إلَّا بالْجُودِ الَّذِي هُوَ الْعَطَاءُ،

وَالنَّجْدَةِ الَّتِي هِيَ الشَّجَاعَةُ؛ بَل لَا يَصْلُحُ الدّينُ وَالدُّنْيَا إلَّا بِذَلِكَ.

قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ: {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: ٤١].


= وحماس للدين، ولم يطلب العلم ولم يحضر مجالس العلماء: أفسد أكثر مما أصلح، حيث كثرت اجتهاداته الخاطئه، وربما ضيّق على أهله وقتر عليهم، ومنعهم ما أحل الله لهم بحجة الورع والتدين، وقد أذى ذلك بكثير منهم إلى الغلو والتشدد، والتحق بالخوارج المارقين، كفّر عامة المسلمين وعلماءهم وحكامهم، وسلّ السيف عليهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
(١) صدق رحمه الله، وهذا هو واقع عامة من يذم الدنيا من عامة الناس وخاصّتهم، فهم لا يذمونها لكونها ألهتهم عن العمل للآخرة، والاستعداد لها، بل لكونهم تعبوا في تحصيلها ولم يأتهم منها ما يُريدون، وإلا لو أنّ الدنيا جاءت على مرادهم وهواهم: لَمَا ذموها، ولكرهوا من يذمها.

<<  <  ج: ص:  >  >>