للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَهُوَ مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْأَرْضِ، حَتَّى إنَّهُم يَقُولُونَ فِي الْأَمْثَالِ الْعَامِّيَّةِ: "لَا طَعْنَةَ وَلَا جَفْنَةَ (١) "، وَيقُولُونَ: "لَا فَارِسَ الْخَيْلِ وَلَا وَجْهَ الْعَرَبِ". [٢٨/ ٢٩١ - ٢٩٣]

١٠١٥ - لَا يَكُونُ الْعَفْوُ عَن الظَّالِمِ وَلَا قَلِيلُهُ مُسْقِطًا لِأَجْرِ الْمَظْلُومِ عِنْدَ اللهِ وَلَا مُنْقِصًا لَهُ؛ بَل الْعَفْوُ عَن الظَّالِمِ يُصَيِّرُ أَجْرَهُ عَلَى اللهِ تَعَالَى؛ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَعْفُ كَانَ حَقُّهُ عَلَى الظالِمِ فَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ، وإِذَا عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَأَجْرُهُ الَّذِي هُوَ عَلَى اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى، قَالَ تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠)} [الشورى: ٤٠].

وَكَمَا أَنَّ مَن تَوَهَّمَ أَنَّهُ بِالْعَفْوِ يَسْقُطُ حَقُّهُ أَو يَنْقُصُ: غالط جَاهِلٌ ضَالٌّ؛ بَل بِالْعَفْوِ يَكُونُ أَجْرُهُ أَعْظَمَ: فَكَذَلِكَ مَن تَوَهَّمَ أَنَّهُ بِالْعَفْوِ يَحْصُلُ لَهُ ذُلٌّ، وَيحْصُلُ لِلظَّالِمِ عِزٌّ وَاسْتِطَالَةٌ عَلَيْهِ فَهُوَ غالط فِي ذَلِكَ، كَمَا ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحِ" وَغَيْرِهِ (٢) عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "ثَلَاثٌ إنْ كُنْت لَحَالِفًا عَلَيْهِنَّ: مَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْو إلَّا عِزًا، وَمَا نَقَصَتْ صَدَقَة مِن مَالٍ (٣)، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إلَّا رَفَعَهُ الله".

فَبَيَّنَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوق: أَنَّ اللهَ لَا يَزِيدُ الْعَبْدَ بِالْعَفْوِ إلَّا عِزًّا، وَأَنَّهُ لَا تَنْقُصُ صَدَقَةٌ مِن مَالٍ، وَأَنَّهُ مَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إلَّا رَفَعَهُ اللهُ.

وَهَذَا رَدٌّ لِمَا يَظنُّهُ مَن يَتَّبعُ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ مِن أَنَّ الْعَفْوَ يُذِلُّهُ، وَالصَّدَقَةَ تُنْقِصُ مَالَهُ، وَالتَّوَاضُعَ يَخْفِضُهُ. [٣٠/ ٣٦١ - ٣٦٨]

١٠١٦ - مَن أَحْسَنَ إلَى النَّاسِ (٤): فَإِلَى نَفْسِهِ، كَمَا يُرْوَى عَن بَعْضِ السَّلَفِ


(١) الجَفْنَة: وعاءٌ للطَّعام، قال ابن الأثير: كَانَتِ الْعَرَبُ تَدْعو السَّيِّدَ المِطعَام جَفْنَةً؛ لِأَنَّهُ يَضَعُهَا ويُطْعم الناسَ فِيهَا فَسُمي بِاسْمِهَا. النهاية، مادة: (جفن).
(٢) مسلم (٢٥٨٨)، ومالك (٢٨٥٥)، والدارمي (١٧١٨)، وأحمد (٩٠٠٨).
(٣) قال ابن عبد البر رحمه الله: أيْ: لَا تُنْقِصُ الصَّدَقَةُ الْمَالَ؛ لِأنَّهُ مَالٌ مُبَارَكٌ فِيهِ إِذَا أدَّيَتْ زَكَاتُهُ وَتَطَوَّعَ مِنْهُ صَاحِبُهُ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تُضَاعَفُ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَيجِدُهَا صَاحِبُهَا وَقْتَ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا كَجَبَل أحُدٍ مُضَاعَفَةَ أَضْعَافًا كَثِيرَةً، فَأَيُّ نقْصَانٍ مَعَ هَذَا؟. اهـ. الاستذكار (٨/ ٦١٢).
(٤) أي: من أَحسن إلى الناس بحسن التعامل معهم، وإكرامهم والبشاشة في وجوههم، وبذل =

<<  <  ج: ص:  >  >>