للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ احْتِيَاجَ النَّاسِ إلَى التَّوْبَةِ دَائِمًا.

وَلهَذَا قِيلَ: هِيَ مَقَامٌ يَسْتَصْحِبُهُ الْعَبْدُ مِن أَوَّلِ مَا يَدْخُلُ فِيهِ إلَى آخِرِ غمُرِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ.

فَجَمِيعُ الْخَلْقِ عَلَيْهِم أَنْ يَتُوبُوا وَأَنْ يَسْتَدِيمُوا التَّوْبَةَ.

وَقَد خَتَمَ اللهُ "سُورَةَ الْمُزَّمِّلِ" وَفِيهَا قِيَامُ اللَّيْلِ بِقَوْلِهِ: {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المزمل: ٢٠]، كَمَا خَتَمَ بِذَلِكَ "سُورَةَ الْمُدَّثّرِ" بِقَوْلِهِ: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} [المدثر: ٥٦]، فَهُوَ سُبْحَانَهُ أَهْلُ التَّقْوَى وَلَمْ يَقُلْ سُبْحَانَهُ أَهْلٌ لِلتَّقْوَى؛ بَل قَالَ: {أَهْلُ التَّقْوَى} (١)، فَهُوَ وَحْدَهُ أَهْل أَنْ يُتَّقَى فَيُعْبَدُ دُونَ مَا سِوَاهُ، وَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرُة أَنْ يُتَّقَى كَمَا قَالَ: {وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (٥٢)} [النحل: ٥٢]. [١١/ ٦٨٦ - ٦٩٠]

١٠٦٤ - الِاسْتِغْفَارُ يُخْرِجُ الْعَبْدَ مِن الْفِعْلِ الْمَكْرُوهِ إلَى الْفِعْلِ الْمَحْبُوبِ، ومِنْ (٢) الْعَمَلِ النَّاقِصِ إلَى الْعَمَلِ التَّامِّ، وَيَرْفَعُ الْعَبْدَ مِن الْمَقَامِ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى مِنْهُ وَالْأَكْمَلِ؛ فَإِنَّ الْعَابِدَ للّهِ وَالْعَارِفَ بِاللّهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ؛ بَل فِي كُلِّ سَاعَةٍ؛ بَل فِي كُلِّ لَحْظَةٍ، يَزْدَادُ عِلْمًا بِاللهِ وَبَصِيرَةً فِي دِينِهِ وَعُبُودِيَّتِهِ، بِحَيْثُ يَجِدُ ذَلِكَ فِي طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَنَوْمِهِ وَيَقَظَتِهِ وَقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ، وَيَرَى تَقْصِيرَهُ فِي حُضُورِ قَلْبِهِ فِي الْمَقَامَاتِ الْعَالِيَةِ، وَإِعْطَائِهَا حَقَّهَا، فَهُوَ يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِغْفَارِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ؛ بَل هُوَ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ دَائِمًا فِي الْأَقْوَالِ وَالْأحْوَالِ، فِي الغوائب وَالْمَشَاهِدِ؛ لِمَا فِيهِ مِن الْمَصَالِحِ وَجَلْبِ الْخَيْرَاتِ وَدَفْعِ الْمَضَرَّاتِ، وَطَلَبِ الزِّيَادَةِ فِي الْقُوَّةِ فِي الْأَعْمَالِ الْقَلْبِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ الْيَقِينِيَّةِ الْإِيمَانِيَّةِ.

فَشَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللّهُ بِصِدْقٍ وَيقِينٍ تُذْهِبُ الشِّرْكَ كُلَّهُ، دِقَّهُ وَجِلَّهُ،


(١) فإذا قلت: فلان أهلٌ للكرم، فهذا ليس فيه كمال المدح له، وليس هو أكرمهم، ولكن إذا قلت: هو أهل الكرم، فقد بالغت في مدحه، حيث جعلت الكرم مُختصًّا به.
(٢) في الأصل وجميع المصادر: (من)، ولعل المثبت هو الصواب؛ ليستقيم المعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>