وَإِن رَآهُ مَائِلًا إلَى الشِّدَّةِ زَيَّنَ لَهُ الشِّدَّةَ فِي غَيْرِ ذَاتِ اللّهِ، حَتَّى يَتْرُكَ مِنَ الْإِحْسَانِ وَالْبِرِّ وَاللِّينِ وَالصِّلَةِ وَالرَّحْمَةِ مَا يَأْمُرُ بِهِ اللّهُ وَرَسُولُهُ. [١٥/ ٢٩٢]
١١١١ - كَثِيرٌ مِن أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ وَالشِّوْكِ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ يَدْعُو وَيَسْتَغِيثُ بِشَيْخِهِ الَّذِي يُعَظِّمُهُ وَهُوَ مَيِّتٌ، أَو يَسْتَغِيثُ بِهِ عِنْدَ قَبْرِهِ وَيَسْأَلُهُ، وَقَد يَنْذِرُ لَهُ نَذْرًا وَنَحْو ذَلِكَ، وَيَرَى ذَلِكَ الشَّخْصَ قَد أَتَاهُ فِي الْهَوَاءِ وَدَفَعَ عَنْهُ بَعْضَ مَا يَكْرَهُ أَو كَلَّمَهُ بِبَعْضِ مَا سَالَهُ عَنْهُ وَنَحْو ذَلِكَ، فَيَظُنُّهُ الشَّيْخَ نَفْسَهُ أَتَى إنْ كَانَ حَيًّا.
حَتَّى أَنِّي أَعْرِفُ مِن هَؤُلَاءِ جَمَاعَاتٍ يَأْتُونَ إلَى الشَّيْخِ نَفْسِهِ الَّذِي اسْتَغَاثُوا بِهِ وَقَد رَأَوْة أَتَاهُم فِي الْهَوَاءِ فَيَذْكُرُونَ ذَلِكَ لَهُ.
وَلهَذَا أَعْرِفُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِن الشُّيُوخِ الْأَكَابِرِ الَّذِينَ فِيهِمْ صِدْقٌ وَزُهْدٌ وَعِبَادَة لَمَّا ظَنُّوا هَذَا مِن كَرَامَاتِ الصَّالِحِينَ صَارَ أَحَدُهُم يُوصِي مُرِيدِيهِ يَقُولُ: إذَا كَانَت لِأحَدِكُمْ حَاجَةٌ فَلْيَسْتَغِثْ بِي وليستنجدني وَلْيَسْتَوْصِنِي وَيَقُولَ: أَنَا أَفْعَلُ بَعْدَ مَوْتِي مَا كُنْت أَفْعَلُ فِي حَيَاتِي، وَهُوَ لَا يَعْرِف أَنَّ تِلْكَ شَيَاطِينُ تَصَوَّرَتْ عَلَى صُورَتِهِ لِتُضِلَّهُ وَتُضِلَّ أَتْبَاعَهُ، فَتُحَسِّنُ لَهُم الْإِشْرَاكَ بِاللّهِ وَدعَاءَ غَيْرِ اللّهِ وَالِاسْتِغَاثَةَ بِغَيْرِ اللّهِ، وَأَنَّهَا قَد تُلْقِي فِي قَلْبِهِ أَنَّا نَفْعَلُ بَعْدَ مَوْتِك بِأَصْحَابِك مَا كُنَّا نَفْعَلُ بِهِم فِي حَيَاتِك، فَيَظُنُّ هَذَا مِن خِطَابٍ إلَهِيٍّ أُلْقِيَ فِي قَلْبِهِ، فَيَأْمُرُ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ.
وَأَعْرِفُ مِن هَؤُلَاءِ مَن كَانَ لَهُ شَيَاطِينُ تَخْدِمُهُ فِي حَيَاتِهِ بِأَنْوَاعِ الْخَدَمِ مِثْل خِطَابِ أَصْحَابِهِ الْمُسْتَغِيثِينَ بِهِ وَإِعَانَتِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَلَمَّا مَاتَ صَارُوا يَأْتُونَ أَحَدَهُم فِي صُورَةِ الشَّيْخِ وَيُشْعِرُونَهُ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ، وَيُرْسِلُونَ إلَى أَصْحَابِهِ رَسَائِلَ بِخِطَابٍ، وَقَد كَانَ يَجْتَمِعُ بِي بَعْضُ أَتْبَاعِ هَذَا الشَّيْخِ وَكَانَ فِيهِ زُهْدٌ وَعِبَادَةٌ، وَكَانَ يُحِبُّنِي وَيُحِبُّ هَذَا الشَّيْخَ، وَيَظُنُّ أَنَّ هَذَا مِن الْكَرَامَاتِ، وَأَنَّ الشَّيْخَ لَمْ يَمُتْ، وَذَكَرَ لِي الْكَلَامَ الَّذِي أَرْسَلَهُ إلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَقَرَأَهُ، فَإِذَا هُوَ كَلَامُ الشَّيَاطِينِ بِعَيْنِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute