للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لَمْ يَكُن عَلَى مَا يَعْنِيهِ فَهُوَ الْكَذِبُ الْمَحْضُ، وَإِن كَانَ عَلَى مَا يَعْنِيهِ وَلَكِنْ لَيْسَ عَلَى مَا يَفْهَمُهُ الْمُخَاطَبُ فَهَذِهِ الْمَعَارِيضُ، وَهِيَ كَذِبٌ بِاعْتِبَارِ الْأفْهَامِ، وَإِن لَمْ تَكُنْ كَذِبًا بِاعْتِبَارِ الْغَايَةِ السَّائِغَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-: "لَمْ يَكذِبْ إبْرَاهِيمُ إلَّا ثَلَاثَ كِذْبَاتٍ كُلُّهُنَّ فِي ذَاتِ اللّهِ: قَولُهُ لِسَارَّةَ: أُخْتِي وَقَوْلُهُ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء: ٦٣]، وَقَوْلُهُ: {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: ٨٩] (١)، وَهَذهِ الثَّلَاثَةُ مَعَارِيضُ".

وَبِهَا احْتَجَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ التَّعْرِيضِ لِلْمَظْلُومِ، وَهُوَ أنْ يَعْنِيَ بِكَلَامِهِ: مَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ وَإِن لَمْ يَفْهَمْهُ الْمُخَاطَبُ؛ وَلِهَذَا قَالَ مَن قَالَ مِن الْعُلَمَاءِ: إنَّ مَا رَخَّصَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إنَّمَا هُوَ مِن هَذَا، كَمَا فِي حَدِيثِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَقُولُ خَيْرًا وَيَنْمِي خَيْرًا".

قالت: "وَلَمْ أَسْمَعْهُ يُرَخِّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: الْحَرْبُ، وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا" (٢).

قَالَ: فَهَذَا كُلُّهُ مِن الْمَعَارِيضِ خَاصَّةً.

وَلهَذَا نَفَى عَنْهُ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- اسْمَ الْكَذِبِ بِاعْتِبَارِ الْقَصْدِ وَالْغَايَةِ، كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: "الْحَرْبُ خُدْعَةٌ" (٣)، وَأنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ غَزْوَةَ وَرَّى بِغَيْرِهَا، وَمِن هَذَا الْبَابِ قَوْلُ الصّدِّيقِ فِي سَفَرِ الْهِجْرَةِ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "هَذَا الرَّجُلُ يَهْدِينِي السَّبِيلَ".


(١) رواه البخاري (٣٣٥٨)، ومسلم (٢٣٧١) بلفظ: "لم يكذب إبراهيم النَّبِيّ عليه الصلاة والسلام قط إِلَّا ثلاث كذبات؛ ثنتين في ذات الله … " الحديث.
(٢) رواه مسلم (٢٦٠٥).
(٣) رواه البخاري (٣٠٢٩)، ومسلم (١٧٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>