للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفرق بينهما واضحٌ، وهو أنَّ المقلِّدَ ليس له أن (١) يستقلَّ بالقول، وإنَّما هو تبَعٌ لغيره، فلو لم يكن لغيره قولٌ البتَّة، لم يعمل بما (٢) ترجح (٣) له، وقد رام السَّيدُ أنْ يُبْطِلَ هذا الفرقَ، فركب الصعبَ والذَّلولَ، وخالف المنقول والمقبول، والتزم أنَّه لا يَحِلُّ الاجتهادُ لمجتهدٍ حتى يسبقَه غيرُه إلى اجتهاده، وهذا معلومُ البطلان لوجوه.

أحدها: أنَّه يلزمه ألاَّ يصحَّ اجتهادُ خير الأمَّةِ مِنَ الصَّدر الأوَّلِ الذين ابتكروا الكلام في الحوادث، وسبقوا إلى الاجتهاد في المسائل.

وثانيها: أنَّ الأمَّة مجمعةُ قديماً وحديثاًً على عدم اشتراط هذا، وإنَّما الشرط أنْ لا يكونَ في المسألة إجماعٌ ثابتٌ مِنْ طريقٍ صحيحةٍ قطعيَّةٍ أو ظنية غيرِ معارضة بما هو أرجحُ منها، ومِنَ العلماء من لم يقبل الإجماع حتى تكونَ طريقُ نقله معلومةً متواترةً، فأمَا إذا لم يكن في المسألة إجماعٌ ولا خلافٌ، فلا قائلَ بتحريمِ الاجتهاد فيها.

وثالثها: أنَّه يلزم السيِّدُ أنَّ الحادثة إذا حدثت، وليس فيها نصٌّ لمن تقدم سقط (٤) عَنِ الأُمَّة التَّكليف فيها، ولم يجب عليهم في ذلك اجتهادٌ ولا تقليدٌ، لأنَّه لا نصَّ لمن تقدَّم، فيجوزُ تقَليدُه عند من يستجيزُ ذلك، ولا يجوز الاجتهادُ أيضاًً على رأي السيد، فلزم من ذلك العملُ بالإِباحة من غير اجتهادٍ ولا تقليدٍ، وتكليفُ ما لا يُطاقُ مِن معرفة مرادِ الله من غير اجتهادٍ ولا تقليد، وكلُّ هذا خلافُ الإجماع، فهذه هي الحُجَّةُ الثَّانية التي


(١) " أن " ساقطة من (ب).
(٢) في (ب): لما.
(٣) في (ش): يترجح.
(٤) في (ش): أن يسقط.

<<  <  ج: ص:  >  >>