يثبت بخبرِ الواحد بخلاف التكفير والتفسيق، وقلتَ، في مثل هذه الأشياء: أقل الأحوال أن يكون هذا موجباً للشك، فلا تَحِلُّ الرواية عن أحد منهم حتى تحصل له تبرئة صحيحة من المخالفة لك في هذه المسألة القطعية، وأما سائرُ الأئمة، فإنما يلزمُك جرحُهم، أو الوقفُ فيهم، لأنَّه قد ثبت من عشرِ طرق كما يأتي بيانُه أن الأمة أجمعت على ذلك، وهذه الطرق العشر من جماعة قد تَحصَّلَ بخبرِ مثلهم التواتُر لا سيما وهم متفرقو الأوطانِ والأزمانِ، والبُلدان والأنساب، فَبَعُدَ تواطؤهم على الكذب لكنك لما علمتَ أن الأمة معصومة، وجب أن تقطع بأنهم ما صدقوا على الأمة كلها، لكن يعلم بالضرورة استحالةٌ تواطئهم على عمدِ الكذب، وصريحِ المباهتة، فيجب أن يُحْمَلَ كلامُهم على أنَّهم عَلِموا أن ذلك قولُ الأكثرين، ولم يعتدوا بالباقين إما لأنَّ المخالف إِذا ندر لم يعتبر عندهم، وإما لتوهمهم أن سكوتَ الباقين سكوت رضا، ونقول في دعواهم للإِجماع مثل ما قلنا في دعوى المعتزلة إجماع الصحابة في الإِمامة.
إذا ثبت - هذا فلا شَكَّ أنَّه قد التبس عليك الآنَ: مَن البريء من الأمة من هذه الدعوى، فلا تَحِلُّ الرواية عن أحدٍ من الأمة حتى تَحْصُلَ له براءة صحيحة غير معارضة بمثلها، شاهدة له بأنه لا يذهب إلى مخالفتك في هذه المسألة، ومن لم يحصل ذلك في حقه، بقي على الشك، فانظر أيُّها السيد إلى قول يُؤدي إلى التشكيك في قبول شهادة القاسم، ويحيى، والمنصور، والمؤيَّد فما أبعدَه عن الصواب.
الإِشكال الثالث والعشرون: أنَّه قد ثبت أن المخالفة في القطعيات معصية، وأن المخالفَ فيها غيرُ معذور بالتأويل، ألا ترى أن السيدَ -أيده الله- قال ما هذا لفظه: فيكون ردُّ روايتهم مقطوعاً به، ولا يصح الاجتهاد