للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهل يقال: يرضى المعاصي ويُحبها؟

فيه مذهبان لأصحابنا المتكلمين حكاهما إمامُ الحرمين وغيره.

قال إمام الحرمين في " الإرشاد " (١) مما اختلف أهل الحق في إطلاقه المحبة والرضا، وقال بعض أئمتنا: لا يطلق القول بأنَّ الله تعالى يحب المعاصي ويرضاها لقوله تعالى: {ولا يَرْضى لعباده الكفر} [الزمر: ٧].

قال: ومن حقَّق ما قال أئمتنا لم يلتفت إلى تهويل المعتزلة بل الله تعالى يريد الكفر ويُحبه ويرضاه، والإرادة والمحبة والرضا بمعنى واحد، وقوله تعالى: {ولا يرضى لعباده الكفر} المراد العباد الموفقون للإيمان وأُضيفوا إلى الله تشريفاً لهم، كقوله تعالى: {عَيْناً يَشْربُ بها عبادُ الله} [الإنسان: ٦] أي خواصهم لا كلهم. انتهى بحروفه.

وهو كلامٌ نازل جداً، بل باطلٌ قطعاً، وإنَّما وقع فيه الإمام الجويني مع جلالته في العلم لأمرين:

أحدهما: ما ذكره من أن معنى المحبة والإرادة والرضا عنده واحدٌ، وتعلقه إنما هو بأفعال الله تعالى كما مر تحقيقه، وأفعاله تعالى مرضية محبوبة مجازاً عنده، لأنه لا يُجيزهما على الله تعالى حقيقة.

وثانيهما: ما تقدم من تجويز تعلُّق محبة الله تعالى ورضاه بالوقوع دون الواقع، والوجود دون الموجود حقيقة عند أهل السنة ومجازاً عند الإمام الجويني كوجود الكافر، فإنه تعالى يحب وجوده وليس ذلك يستلزم أنه يحب وجود الذنب منه، ولا يستلزم ذلك محبة الذنب نفسه، ولا أنهما سواء.

وهذا بناء على تلازم الإرادة والمحبة، وهو بحثٌ نظري لم يرد به نص شرعي (٢)، فينبغي من السني الأثري ترك هذه العبارات الكلامية، وعدمُ


(١) ص ٢٣٨ - ٢٣٩ و٢٥٠.
(٢) في (ش): سمعي.

<<  <  ج: ص:  >  >>