للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الممتحنة: ١ - ٦]، وأوضح منه في التمثيل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُون} [الحجرات: ٤]، مع أن معهم من العقل ما حَسُنَ معه ذمُّهم وتكليفهم، فوضح أنه يلزم الناقص نفي الكل (١) مجازاً، ويرجِعُ إلى تنزيل التَّبيان، ومنه قول الرسل: لا عِلْمَ لنا.

والذي ظهر لي: أن الإيمان هو التصديق التام، واليقين المثمِرُ لإجلالِ الرب عز وجل، وأن هذا لا يبقى في حال العصيان متمكِّناً في القلب، إذ لو بقي قويَّاً متمكِّناً، لظهر أثره في الامتناع من العصيان، ولذلك شبّه إيمانهم في أحاديث الشفاعة بالمحقِّرات؛ يُظهِرُ ذلك ما رواه الحاكم في الفتن (٢) عن أبي موسى أنه - صلى الله عليه وسلم - ذكر الهرج. قالوا: وما الهرج؟ قال: " القتل ". قالوا: وأكثر مما يُقتَلُ اليوم؟!! إنا لنقتل من المشركين كذا وكذا. قال: " ليس قتل المشركين، ولكن قتل بعضكم بعضاً " قالوا: وفينا كتاب الله؟! قال: " وفيكم كتاب الله عز وجل ". قالوا: ومعنا عقولنا؟! قال: " إنه ينتزع عقول عامة ذلك الزمان يحسبون أنهم على شيءٍ وليسوا على شيءٍ " سكت عنه الحاكم، وهو من رواية الحسن عن أبي موسى، وهو صالحٌ للتمثيل في التأويل، والله سبحانه أعلم.

وأما تحقيق كونه كالظُّلَّةِ، وما هو وما كيفيَّتُه، فأهل السنة لا يتكلمون فيه، ولا يزيدون على الإيمان والتصديق، وأهل الكلام يوجهونه بوجهٍ مجازيٍّ، وليس للمعتزلة في الحديث حجةٌ، لأنه مقيدٌ بنفي الإيمان حال المباشرة، خرجه البخاري ومسلم، ثم يعود كما رواه الحاكم كذلك مرفوعاً، وكذلك رواه الترمذي وأبو داود، وقد مضى هذا قريباً، ولأنه آحادي، والمسألة عندهم قطعيةٌ، ولو كان قطعيَّاً فمعناه (٣) ظنِّيٌّ معارَضٌ بما قدمناه من إجماعهم على إثبات اشتراط إيمان


(١) في (ف): " الكامل ".
(٢) من " المستدرك " ٤/ ٤٥١ من رواية أبان بن سليم بن قيس الحنظلي، عن الحسن، عن أبي موسى. وقال الذهبي: أبان: قال أحمد: تركوا حديثه. قلت: ثم إن الحسن لم يسمع من أبي موسى.
(٣) في (ش): " لكان معناه ".

<<  <  ج: ص:  >  >>