للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قلت: إنَّ العامَّة كانوا متفرِّقين فِرَقَاً، مثل افتراق النَّاس في هذه الأعصار الأخيرة، فأيُّ البواطل تَرْتَكبُ على هذا؟ أتقول (١) بأنَّ كُلَّ مفتٍ مِنَ الصحابة كان له أتباعٌ؟ فهذا يُفْضي في تشعُّب مذاهبهم إلى غاية الاتِّساع، فقد نُقِلَتِ الفُتيا عن أكثرَ من مئة نفسٍ من الصحابة قد ذكرهم غيرُ واحدٍ من العلماء، ولولا خشيةُ الإطالة لذكرتهم بأسمائهم على الاستقصاء، أو ترتكِبُ القولَ بالتزام العامة لمذهب جماعة مخصوصين بغير دليل على التخصيص، وكل هذا لا مُلْجِىءَ إليه ولا حامِلَ عليه، وقد عُلِمَ بالضرورة أنَّ العامِّيّ في زمنهم كان يَفْزَعُ في الفتوى إلى مَنْ أَحَبَّ منهم مِن غير نكيرِ في ذلك، وهذا من الأمورِ المعلومة، وقد احتج الشَّيخُ أبو الحسين بهذا على أنه لا يجب الالتزامُ، وادَّعى أنَّه إجماعُ مِنَ الصحابة، ذكر ذلك المنصورُ بالله في كتاب " الصفوة "، وكذلك ذكره ابنُ عبدِ السلام في " قواعده " (٢)، واحتجَّ به على جواز تقليدِ المفضولِ، وجوَّد تحريرَه، وليس يُناقضُ ما ذهبتُ إليه من إيجاب الترجيح عند اختلاف العلماء، وقوَّة الظنِّ أن قولَ أحدِهم أصحُّ، لأنه لم يظهرِ الإجماع على (٣) هذه الصورة الخاصة.

قال: الوجه الثاني: أنَّه لا يتميَّزُ على هذا الوجهِ المجتهدُ مِنَ المقلِّدِ، فإنَّه إذا رجح في كل مسألة، وعمل بما (٤) يترجح له، فهذا شأن المجتهدين، وكونُه قد قال به قائل شرطٌ في حقِّ المجتهد أيضاً.

أقول: هذا الوجه أضعفُ مِما قبله، وهو لا يؤدِّي إلى ما ذكره،


(١) في (ب): القول.
(٢) ٢/ ١٣٥.
(٣) في (ب): على الإجماع على.
(٤) في (ب): ما.

<<  <  ج: ص:  >  >>