قلنا: هذا لا يَصحُّ، لأنَّه يستلزم أن يَنْصِب اللهُ على الباطل أمارة ظاهرة لكل أحد، ويوجب على كُلِّ أحد العمل بها، ويترك الحق بغير أمارة، وهذا لا يجوز على الله تعالى، وقد منع العلماء مِن أهون من هذا، فقالوا في الدليل على أن كل مجتهد مصيب: إنَّه لو لم يكن كذلك لكان قد كلَّفَهُ اللهُ بالحق، ولم يَنْصِبْ عليه دليلاً، وذلك يستلزم التكليف بما لا يَعْلَمُ، وهو لا يجوز على الله، أو كلَّفه بالخطأ الذي أدى إليه نظرُهُ، ولا يجوز على الله تعالى التكليفُ بالخطأ، هذا على القول بأن الحقَّ مع واحد، وعلى القول بتصويب الجميع يلزم تجويز أن يتْرُكَ الله الحق بغير دلالة ولا أمارة، ولا يُكلف به أحداً، وهذا يناقض كونه حقاً، والفرض أنه حق هذا خُلف.
الإشكال الثالث: أن نقول: هل كونُهُ راجحاً معلومٌ بالضرورة أو بالدلالة؟ وكلاهما باطل، فما استلزمهما، فهو باطل، وبيانُ الملازمة ظاهر، وبيان بطلان القسمين أن نقول: لا يجوز أن يكونَ رجحانُ ردِّ المتأولين معلوماً بالضرورة، لأن العقلاء مشتركون في العلم بالضروريات، والمجيزون لقبول المتأولين خلقٌ كثير من الأئمة والعلماء والفقهاء لا يجوز تواطُؤُهُم على محض البَهْتِ، وصريحِ المعاندة، وهم منكرون للعلم برُجحان ردِّ المتأولين، فثبت أنَّه لو كان ضرورياًً، لعلموه، لكنه قد ثبت أنهم لم يعلموه، فثبت أنَّه غيرُ ضروري، وأما أنَّه لا يجوز أن يكون الرجحان معلوماً بالدلالة، فلأنَّ الرجحان هو الظن، وثبوت الظن في القلوب، وانتفاؤه عنها من الأمور الوجدانية كالجوع والألم وغير ذلك، وليس في الأدلة ما يُوجب العلمَ الاستدلالي بالأمور الوجدانية، وإنما يصِحُّ