للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن السيد أيده الله ذكر الزهري قادحاً بروايته على أهل الحديث، وأطال الكلام في ذلك، وعوَّل في جرحِ الزهري على مُخالطته للسلاطين، وموالاته لهم، وإعانتِه لهم، وعلى كتابٍ كتبه إليه بعض إخوانه، فبعض ذلك كان من الزهري، ولا يدلُّ على الجرح في الرواية، وبعض ذلك دعوى على الزهري، لم يكن منه.

والذي كان مِنَ الزهري هو مخالطة السلاطين، وذلك إن لم نحمله على السلامة، نقص في الدرجة (١)، لا جرحٌ في الرواية، والفرق بينهما واضحٌ، فقد تقدم كلام المنصور بالله عليه السلام في الرواية وأن مبناها على ظن الصدق، وتقدم كلام الأئمة في قبول الخوارج الذين يُكَفِّرُون أمير المؤمنين عليه السلام، وقول المنصور بالله عليه السلام: إنهم أولى بالقبول من أهل العقيدة الصحيحة، لتشدُّدهم في الكذب، واعتقادهم أنه كفرٌ.

وقد أخلَّ السيد بقاعدةٍ كبيرةٍ هي أساس الكلام في الجرح والتعديل، وهي ذكر المحاسن والمساوىء، ليقع النظر في الترجيح بينهما، وقد ترك السيد هذا الأمر، فذكر مساوىء الزُّهري مجرَّدةً عن محاسنه التي أوجبت قَبُولَ بعضِ حديثه عند أئمة الحديث، وهو الصحيح المسند السالم من الإعلال والتدليس والإدراج ونحو ذلك، فإن كان هذا لما يعتقده السيد من سقوط مرتبة الزهري، وأنه ليس بأهلٍ لأن يُذكَرَ بخيرٍ، فالله تعالى -مع أنه العدل الذي لا يُتَّهَمُ- قد شرع الإنصاف لكل أحدٍ، ونصب الموازين ليوم القيامة، وأظهر كل ما لأعدائه من الحسنات، ولم يتركها لعداوتهم، ولا اكتفى بعلمه الحق فيهم، ولم يذم أحدٌ قط بالعدل على من يكره، بل هي سنة أهل العدل، وسجيَّة ذوي الفضل.

والأمر في الزهري قريب، والإشكال فيه سهلٌ، لكن هذا القدح الذي قدح به السيد على الزهري يقتضي القدح في كثير من العلماء والفضلاء، ممن خالط الملوك، فإن التاركين لذلك من العلماء هم الأقلُّون عدداً، وإذا طالعت كتب


(١) عبارة " في الدرجة " ساقطة من (ف).

<<  <  ج: ص:  >  >>